في كل أمور حياتك، أنت وحدك من تقرر كيف تتعاطى مع الأمور، أنت وحدك من يحدد درجة الرؤية، ولونها، سواء أكان «أسودَ» أم «أبيضَ»؟!كل شيء في حياتنا له جانبان، سلبي وإيجابي، حتى في عمل الخير، ستجد أموراً سلبية ولو بسيطة، على سبيل المثال.الفيصل في الموضوع هو «أنت»، أنت من يقرر كيف يكون الحكم على هذا الأمر أو ذاك، أنت من تقرر كيف تتعايش مع هذه المسألة أو تلك، أنت من تقرر كيف تكون ردات فعلك، هل ستجعلك تعيش في سعادة وتفاؤل، أم ستجعلك تعيش أجواء حزن واكتئاب.هذه بالضبط ترجمة تفصيلية للجملة الشهيرة التي تتحدث عن «نصف كوب الماء»، وهل هو «نصف ممتلئ»، أم «نصف فارغ»، وبناء على الإجابة يمكن تحديد «نمط» شخصيتك، فإن قلت نصف ممتلئ فإنك إيجابي، وإن قلت نصفه فارغ فأنت سلبي، رغم أنني لا تعجبني الإسقاطات في هذا المثال بالذات، لأنني أمتلك إجابة ثالثة، وهي التي تفرض الحكم عليك بأنك «واقعي»، ولست من أولئك الذين يعيشون «الخيال» بغية أن يرسخوا عند الناس ما يسمونه بـ»الطاقة الإيجابية» أو «الفنتازيا الإدارية المهووسة بالأدبيات»، والأخيرة بحد ذاتها تحتاج لوقفات طويلة، لأنها أحد كوارث العصر الحديث في مواقع العمل.عموما جرنا الحديث بعيدا، وعودة على بادئ ذي بدء، فإن القصد هنا بيان نسبة «السيطرة» الكبيرة للإنسان على أساليب تعامله مع الأمور المختلفة، وأنه هو القادر على أن يجعل حياته سهلة وسلسلة ولطيفة، وأيضاً يمكنه أن يجعلها صعبة معقدة ومزعجة. هي فقط معادلة «كيف تتعامل مع الأمور».البحث عن الإيجابيات بات عملية مطلوبة اليوم بشكل كبير، خاصة في زمن باتت فيه بواعث القلق والهواجس والاكتئاب كثيرة، إذ هذه البواعث وكأنها تنتشر مع الهواء الذي يستنشقه الناس، فالنشرات الإخبارية في أي محطة كانت دون أي استثناء، لو حسبت نسبة ما فيها من خير لها تأثيرات إيجابية على البشر، وقارنتها بالعكس، أي تلك الأخبار التي تبعث بداخلهم الخوف والقلق وغيرها من ردود فعل سلبية، فإنها تبين لك بأن ما يبث لنا، لا يساعد أبداً على التعامل مع الواقع بإيجابية. لذا تجد كثيراً من الناس يقول لك «لا أتابع الأخبار، لأنني أريد الحفاظ على أعصابي وصحتي».هنالك أيضاً النظرة المجتمعية العامة لكثير من الأمور المعنية بعمل الدولة، والمجالس البرلمانية والبلدية، ومشاريع التطوير، والخدمات المقدمة للمواطن، ويمكن العد بلا توقف. وكل هذه الأمور فيها جوانب قد يكون التأثير السلبي منها كبيراً على المواطن، خاصة لو اقترن بطرح إعلامي أو نيابي أو مجتمعي تطغى عليه السلبية، وتكثر فيه المماحكات مع المعنيين بالأمور على الطرف الآخر من كل قضية «حكومة مع نواب، وزراء مع صحافة، مواطنون مع مسؤولين» وتكثر الأمثلة، فإن مساهمتها في صناعة «نمط سلبي» يؤثر على «أسلوب حياة» الناس ويجره للأسفل على هيئة إحباط ويأس واستياء، مساهمتها عالية جداً.لذلك نقول إن البحث عن الإيجابيات أمر مطلوب، لا لتخدير الناس ودعوتهم للبعد عن الواقع، بل على العكس، لأن الواقع يقول بأن هناك بالفعل إيجابيات عديدة، ونعماً كثيرة لدينا، لكننا للأسف لا نراها بوضوح، وإن رأيناها لا نقدرها حق قدرها، وهنا يكمن الخلل الكبير.هناك نوعيات نادرة من البشر صادفتهم، أقولها بكل صدق أحسدهم على الروح الإيجابية فيهم، بعضهم ظروفه متواضعة، لكن ابتسامته صادقة، وتعامله مع الحياة بإيجابية مطلقة، تتحدث معه في الشؤون السياسية، فيرد عليك بأن الحمدلله بلادنا تعيش في نعمة أمان تفتقدها كثير من البلدان. والوضع المعيشي ليس بالسوء الذي يحاول البعض تصويره، وبيان أن الجميع يعانون، رغم أن الغالبية صرفهم الأكبر يذهب للكماليات، بل الوضع المعيشي معقول وكل يمكن التأقلم عليه لو طبق معادلة «مد رجلك على قدر لحافك». وكذلك بالنسبة للمشاريع والخدمات وغيرها، فالإيجابيات موجودة لو أردنا رؤيتها، إذ ألم تتحقق إنجازات كبيرة في شأن الإسكان، لا ينكرها إلا مكابر للحقيقة؟! ألم نتقدم كثيراً في ملف التعليم، سواء عبر مؤسسات الدولة أو المؤسسات الخاصة، من منشآت وقضاء على الأمية وأجيال يعول عليها الكثير، ألم وألم وألم؟!ليست الفكرة كما أسلفت بأن «خدر نفسك» واعتبر أن «الدنيا ربيع» وأن «كل شيء تمام»! إطلاقاً، بل الهدف ألا تجعل ديدنك اليأس والإحباط بما يؤثر على نفسيتك وصحتك ويقلب كيان حياتك، كن إيجابياً حقيقياً، بإيجابية تطبقها على نفسك ونمط معيشتك، لا إيجابية «تتاجر» بها على الناس عبر تنظيرات وإرشادات.في كل شيء هناك جانبان، لا تنس ذلك، وأنت من تقرر، يا «أبيض»، يا «أسود»!
مشاركة :