لا أعرف لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة الحادة من التعصّب لآرائنا؟ وكأنما أصبحنا نرى العالم من حولنا بلونين لا ثالث لها؛ إما أن تكون أبيض خالصاً كما أريد, وإما أن تكون أسود خالصاً كما أريد أنا كذلك! للأسف أضحى التصنيف مؤخراً أسلوب ممارسة يومية للكثيرين منا، وهو إن كان بدأ بالأمور العقدّية والطائفية, إلا أنه تجاوز ذلك إلى كل شيء.. إلى الرياضة وتعصبها المقيت، إلى الإبداع الأدبي والتشكيك في القدرات والمواهب, فقط لكون الشخص الآخر مختلفا عنا في بضعة تفاصيل بسيطة. أيها السادة الاختلاف والتنوّع عنصر قوة ونجاح، وفيه تتطور المجتمعات لتصبح أكثر نجاحاً، ولنا في سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام خير قدوة، حينما آخى بين المهاجرين والأنصار، وحينما استقبل المجتمع المسلم في المدينة بلال الحبشي وسلمان الفارسي في آن واحد! أما في وقتنا الحاضر فالتجربة الأميركية خيرُ شاهد على أن التنوع العرقي والثقافي والديني هو السبيل الطبيعي لتطور أي مجتمع، فهي كمصهر ضخم لكل هؤلاء؛ استطاعت الظفر بأفضل العقول، والوصول إلى أفضل التجارب, والسبب هذا التمازج المتجانس بين كل هؤلاء البشر! التنوع يساعد على انتخاب أفضل الحلول، والتنوع كذلك يقود إلى ازدهار الفنون، وما أحوجنا نحن إلى الاعتراف بتنوّع واختلاف فسيفساء مجتمعنا السعودي، الذي يقود بالتالي إلى تنوع واختلاف أفراده بشكل واضح، فليس مطلوباً منا أن نكون نسخاً متشابهةً من بعضنا البعض، لأن ظروف تكوين وبيئة كل فرد تلعب دوراً في تنشئته، وبالتالي في اختلافه عن الآخرين، حتى مع إخوته ممن عاشوا نفس ظروف التنشئة؛ فكيف نتوقع أن يكون مشابهاً لنا في كل شيء! صديقي امنح الآخرين مساحة من الاختلاف؛ لكي يمنحوك هم تلك المساحة حينما تختلف معهم، وتذكر أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.. أليس كذلك؟
مشاركة :