وتتبع قصص العبيد ووقائعهم عبر التاريخ من الأمور المثيرة والمحببة فهى تضع أمام القارئ زوايا أخرى لفهم سير التاريخ وكيفية توجهه، وسوف يطول بنا الحديث عند الوقوف على العلامات البارزة والمؤثرة، وفى قفزة سريعة للتاريخ حيث العصر الحديث لمعرفة كيف كانت وقائعهم وخاصة فى مصر يتضح الآتى: ففى مصر يُقال إنه بلغ عدد العبيد فى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر من ثلاثين إلى أربعين ألفًا، وأصدر سعيد باشا والى مصر قرارًا بتحريم الرق فى مصر عام ١٨٥٥، وأصدر إسماعيل باشا قرارًا بتحريم الرق ومحاربة تجارته فى عام ١٨٧٧م، وإنشاء أقلام فى الدولة تقوم بتحرير العبيد، ولكن لم يذهب إلى هذه الأقلام طلبا للتحرير إلا القليل، لأن الحرية لهم كانت تعنى الضياع فى دنيا الله دون عائل أو قريب. وخلال سيرته الذاتية «هذه حياتى» يحكى الأديب الراحل عبدالحميد جودة السحار أن ورث عن جده جارية كانت تعامله بقسوة منذ طفولته حتى أنها حممته بالماء الساخن جدًا حتى تشاجرت معها والدته، وكانت تفعل ذلك كرهًا فى استعبادها، وعندما أصدرت الحكومة قرارًا بتحريم امتلاك العبيد فرحت لذلك، فيقول السحار: «وتسرب إلى قدم الخير «الجارية» أن الحكومة أصدرت أمرًا بتحريم تملك العبيد.. وكانت تتحرق شوقًا إلى الحرية، وما كان أحد فى بيتنا يرغب فى أن يتمسك بها ولكن الإشفاق عليها من الضياع فى الدنيا الواسعة بعد أن صارت عجوزًا لا قدرة لها على العمل، هو الذى جعل كل من فى البيت يحتملون حماقاتها». واعتاد الأديب الراحل إبراهيم عبدالقادر المازنى على كتابة الطرائف خلال أعماله النثرية، فهو يتكلم بشكل طريف عن علاقته بجارية ورثها فيقول فى كتابه «عود على بدء»: «وهى خادمة.. ترينى نجوم السماء طرا فى الظهر الأحمر، ورثتها عن أمى، والإرث يباع، أو يرهن، أو يوهب، أو يبدد، ولكن الدول - كما تعلم - أجمعت لمكيدتى على تحريم الرق، فلا سبيل إلى بيع هذه الخادمة أو رهنها أو وهبها.. وعسير جدًا إضاعتها لأنها تعرف الطريق إلى البيت، ولعله كل ما تعرفه». إن تجارة البشر ما زالت مستمرة على الرغم من انحسار تجارة الرقيق، فالحروب التى تدور فى المنطقة خلقت مجالات كثيرة للتربح فهناك تهريب العمالة والهجرة غير الشرعية فيما عرف بقوارب الموت، ولا تزال جهود الدول التى تدعى التحضر والتقدم مقصورة جدًا فى مجالات حماية الإنسان من استغلاله وإهانته.
مشاركة :