بالأمس قلنا إن العزلة والخلوة قد حُببت إلى نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا نحن اليوم نواصل مسيرتنا معه صلى الله عليه وسلم لنتعرف على أعظم الأحداث التاريخية التي مرت على الأرض. وعن غياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزلته وحبه للاختلاء وغيابه عن خديجة رضي الله عنها لعدة أيام يقول طهماز: «واحتملت رضي الله عنها بُعد النبي صلى الله عليه وسلم عنها، وصبرت على مفارقته لها ما دام ذلك يعجبه، والمعروف من أحوال المرأة أنها تغضب إذا ابتعد زوجها عنها، وتدركها الغيرة عليه، وتخشى أن يكون إعراضه عنها بسبب كرهه لها، أو ميله إلى غيرها، ولكنها رضي الله عنها خالفت جميع النساء في هذا الشأن، فجوهرها الصافي يختلف عن جوهرهن رضي الله عنها. كانت تحب كل ما يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دام يحب العزلة والخلوة بنفسه، فليكن له ما يحب، كانت فقط تقلق عليه وتخشى أن يصيبه مكروه، وإذا ما تأخر في العودة إليها ترسل غلمانها وخدمها في طلبه والبحث عنه..». انتهى. فاستمر الوضع على هذا المنوال، هو صلى الله عليه وسلم يسمع ويرى الأمور الغريبة والخارقة للعادة والتي لم يسمع عنها أحد من قبل، حتى أحلامه كانت تتحقق مع انبلاج صباح اليوم التالي، وهي رضي الله عنها كانت عونًا وعضدًا ومثبتًا له، حتى نزل أمين الملائكة جبريل عليه السلام على أمين الأرض محمد نبي هذه الأمة والبشرية جمعاء صلى الله عليه وسلم. نزل صلى الله عليه وسلم -كما تروي كتب السيرة النبوية- من الغار وهو يرتجف فزعًا فدخل على خديجة رضي الله عنها وهو يقول «زملوني.. زملوني» أي دثروني وغطوني، فزمّلته وغطته، حتى ذهب عنه الروع، بعد ذلك طلبت منه خديجة رضي الله عنها أن يقص عليها ما الذي حدث، فأخبرها الخبر، وقال صلى الله عليه وسلم: لقد خشيت على نفسي، قالت خديجة رضي الله عنها «كلا والله لا يحزنك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضعيف، وتعين على نوائب الدهر». ولم تكتف خديجة رضي الله عنها بمثل هذه الكلمات التي تبث في النفس الطمأنينة، ولكنها انطلقت رضي الله عنها به صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان تنصر في الجاهلية وكان يقرأ في التوراة والإنجيل ويعرف حكايات وقصص الأنبياء والرسل والأديان فقالت له: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل الأمور التي جرت، عندئذ أضيئت البشرية بنور الإسلام والخروج من عبادة الأوثان أيًا كان نوعها إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وحده، فدخلت البشرية العهد العقلاني الجديد، في تلك اللحظة آمنت خديجة رضي الله عنها، فكانت هي أول الخلق -من غير منازع- يؤمن بالله سبحانه وتعالى ورسوله وبصدق ما جاء به صلى الله عليه وسلم. ويجب الملاحظة والتركيز هنا على دور أم المؤمنين رضي الله عنها منذ الإرهاصات الأولى لنزول الوحي، ففعلاً يمكن أن يتجسد لنا هنا المثل العربي القائل «وراء كل رجل عظيم امرأة»، فقد كانت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها موجودة في كل اللحظات التي كان يحتاج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم تشكّ فيه وفيما يقول ولو للحظة واحدة، بل كانت تثبته وتصدقه وتناصره وتخفف عنه كلما عاد إليها فزعًا مرعوبًا، وكانت حريصة كل الحرص ألا يسمع ما يكره مهما كانت تلك الكلمات صغيرة أو قد يظنها الإنسان لا تساوي ما قال. وفي المقابل لم نسمع انه صلى الله عليه وسلم قد أخبر عما يأتيه لأحد، ربما قاله لأبي بكر الصديق رضي الله عنه صديقه المخلص وبضعة من أصدقائه المقربين، ولكن لم تذكر لنا كتب السيرة النبوية الشريفة أي شيء من ذلك فيما عدا بعض الروايات التي تقول إنه باستشارة من خديجة رضي الله عنها ذهب صلى الله عليه وسلم مع الصديق رضي الله عنه يومًا إلى ورقة ليخبره عما يكتنف قلبه من مشاهد ورؤى، وغير ذلك لم نقرأ، إلا أن كل كتب السيرة الشريفة تذكر أفعال الطاهرة سيدة نساء قريش رضي الله عنها. ونستمر غدًا بإذن الله تعالى في هذا الموضوع،، Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :