حياة رسول الله الأسرية والاجتماعية (14): مع أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها (1)

  • 5/31/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

شاء الله سبحانه وتعالى وحده، أن يقع حب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلب السيدة العظيمة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، فهذه السيدة الملقبة بالطاهرة في الجاهلية وفي الإسلام كانت محط أنظار كل رجالات قريش، فالجميع كان يود لو أنه استطاع أن يقترن بها، ولكن لله سبحانه وتعالى أمرا آخر، فلهذه السيدة دور مهم في الدعوة الإسلامية القادمة، لذلك فهي لا تصح إلا لرجل عظيم. لا نعرف متى اهتمت رضي الله عنها بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا نعرف من أين سمعت به، وماذا سمعت، ولكن كل الذي نعرفه أنها سمعت عن أخلاقه العالية التي كان يعيشها في معاملاته مع الناس وفي إدارة أعماله وأعمال عمه أبي طالب التجارية، وربما أوضحت سبب اختيارها له صلى الله عليه وسلم ليقوم بالخروج في تجارتها – كما تشير بعض المراجع– أنها قالت له: «إنه مما دعاني إلى البعث إليك دون أهل مكة ما بلغني من صدق حديثك وعظيم أمانتك وكرم أخلاقك»، وتذكر الروايات أنها رضي الله عنها أعطته صلى الله عليه وسلم أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، وأرسلت معه غلامها ميسرة، ولكن لماذا ميسرة؟ يمكننا أن نخمن أنها رضي الله عنها كانت لا تريد أن تكتفي بما سمعت من الناس حول أخلاقياته صلى الله عليه وسلم وإنما كانت تريد أن تتأكد من كل ذلك ومن مصدر موثوق، ومن أصدق من خادمها المطيع؛ ميسرة؟ ومن المعلوم أن معادن البشر وشخصياتهم الحقيقية تظهر أثناء السفر، وخاصة في زمن لم تكن هناك وسائل ترفيه أو وسائل نقل سريعة، وفنادق وما إلى ذلك، وإنما كانت المساحة الزمنية التي يقطعونها بين مكة والشام وبالعكس، والمكوث هناك والقيام بعمليات التجارة تستغرق عدة أشهر، وكانت منازلهم في الترحال هي الخيام، ووسائل نقلهم الجمال والقافلة، وكانت وجباتهم التمر والحليب والقليل من الشعير وما إلى ذلك، فكانت تلك البيئة هي البيئة المناسبة لدراسة الشخصيات البشرية، فرافق ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره إلى الشام في تجارة السيدة الطاهرة خديجة رضي الله عنها، كانت مهمته أن يقوم على خدمته صلى الله عليه وسلم وكذلك أن يراقب تصرفاته ومعاملاته، وشخصيته، وكيف ينام وماذا يفعل حين استيقاظه، وكيف يقوم بعملية البيع والشراء، وكيف يتعامل مع الناس والتجار والبشر، وكيف يتعامل حتى مع الأرض التي يمشي عليها ومع الحيوانات والنبات، وكل حركاته وسكناته، وكل سجاياه صلى الله عليه وسلم. فلم يعجب ميسرة من أخلاقيات رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب وإنما كان يلاحظ أن هناك غيمة كانت تظلله طوال الطريق، وتذكر بعض الروايات أنها رضي الله عنها قد رأت تلك الغيمة أيضًا أثناء دخولهم مكة، كل هذا جعلها رضي الله عنها تستقبله وتجالسه لترى ما حصد وما جنى من أرباح لها، فأجزلت له العطاء، فخرج صلى الله عليه وسلم من عندها، فأقبلت على ميسرة الذي قص عليها كل سجاياه الكريمة والنبيلة التي لم يرها على أحد من رجالات قريش، عندها اتخذت قرارها واختارته ليكون زوجًا لها. فتزوجا، فالتقى حينئذ الأمين صلى الله عليه وسلم بالطاهرة سيدة نساء قريش رضي الله عنها، فسكنا في بيت، وكان بيتًا كسائر بيوت مكة، لم يكن قصرًا، ولم يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم قصرًا أو بستانًا ولم يكن ثريًا، بل كان بسيطًا يعايش البسطاء والمساكين ويحنو عليهم، ولكنه كان بيتًا دعائمه الحب والاحترام المتبادل بين الزوجين، وسقفه زوجة وهبت نفسها لزوجها ورضا، وبنيانه زوج محب لزوجته لم يتزوج عليها طوال حياتها مع أنها كانت من سنن رجالات قريش؛ وذلك خوفًا على مشاعرها من الغيرة والمقارنة وما تعيشه النساء من جراء ذلك، عاش معها خمسة وعشرين عامًا كانت كلها حب واحترام، وكان يتذكر تلك السنين طيلة حياته الباقية، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أعضاء، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ فَرُبَّمَا، قُلْتُ: لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ، فَيَقُولُ: إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ». رواه البخاري ومسلم. وكان ثمرة هذا الزواج المبارك أربع سيدات من أجل سيدات الأرض: السيدة زينب، ثم السيدة رقية، وبعدها السيدة أم كلثوم، وأخيرًا الزهراء فاطمة، وكذلك كان له صلى الله عليه وسلم منها أولاد وهم: القاسم وابنه البكر وكني به وعبد الله، وضم ذلك البيت إلى جانب أطفاله صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها ولدها من زوجها السابق هند بن أبي هالة رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وزيد بن حارثة رضي الله عنه، وكذلك حاضنته صلى الله عليه وسلم أم أيمن رضي الله عنها. فماذا يعني ذلك؟ هذا يعني بكل بساطة أن هذا البيت المتواضع كان يضم في جنباته أثني عشر فردًا، فإن لم يكن هذا البيت يتميز بكل تلك السعادة والحب، وإن لم يكن هذا البيت يوفر كل احتياجات هؤلاء الأفراد لما بقي منهم أحد يعيش فيه. يعني بكل بساطة –مرة أخرى– أنه صلى الله عليه وسلم كان يحمل بين جنباته ذلك القلب الكبير الذي يسع كل هؤلاء الناس، ذلك القلب الذي يعترف بجميل أفضال الناس عليه، فقد احتضن عليّ، وذلك إكرامًا لعمه أبو طالب وفضله عليه طوال السنوات الماضية، واحتضن هند من أجل حبه واحترامه لأم المؤمنين خديجة، واحتضن حاضنته أم أيمن لتاريخها الطويل معه. ونستمر غدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين خديجة رضى الله عنها. Zkhunji@hotmail.com

مشاركة :