اقتصاد قطر أحبط مخططات دول الحصار

  • 6/5/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في الخامس من يونيو 2017 فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حظراً على حركة الأفراد ونقل وعبور البضائع بينها وبين قطر، وأغلقت مجالها الجوي أمام الطيران القطري. سأتناول في هذه المادة، وهي مقدمة لبحث سينشر قريباً بواسطة مركز الجزيرة للدراسات، أهداف هذه الإجراءات والعوامل التي أدت إلى فشلها وانعكاسات ذلك على الاقتصاد القطري مع محاولة التنبؤ بالسناريوهات المستقبلية لهذه الأزمة. ولا شك أن هذه الإجراءات أخذت بعداً أكبر من المقاطعة. فالمقاطعة التجارية تكون عندما يوقف بلدٌ ما التبادل التجاري (الاستيراد والتصدير) مع بلد آخر، ولكن عندما يتم معه منع حركة الأفراد والبضائع من السعودية وعبرها من دول العالم الأخرى إلى قطر، فهذا نوع من أنواع الحصار. فكون هذه الدول لا تستطيع إغلاق المياه أو الأجواء الدولية، فهذا لا يعني أنها لا تحاصر قطر من كل الجهات الممكنة وبكل ما أوتيت من قوة. بل إن هذه الإجراءات تعدت الحصار إلى حرب اقتصادية تستهدف زعزعة الاستقرار الاقتصادي الاجتماعي والسياسي وتهجير رؤوس الأموال، وما لذلك من تبعات سلبية قد تمس حياة الناس وتكون لها اثار كارثية على مدخراتهم وممتلكاتهم. حرب اقتصادية وقد أريد بهذا الحصار الضغط على قطر للتسليم لطلبات غير منطقية، تمس بالسيادة والكرامة، ولم يكن متوقعاً أن تقبل بها الحكومة القطرية ولا أن يتقبلها الشعب القطري. فهدف الحصار بدا واضحاً وهو الضغط على قطر للتخلي عن السيادية والاستقلالية في قرارها السياسي والخضوع للهيمنة السعودية والإماراتية، والضغط على قطر في سبيل تحقيق ذلك بكل الطرق والوسائل، من حصار اقتصادي إلى حرب دبلوماسية وإعلامية ونسج مؤامرات وتهم لقطر بدعم الإرهاب واستغلال سذاجة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمساندة دول الحصار ضد قطر، إلى شن حرب اقتصادية تستهدف زعزعة استقرار العملة واستنزاف الاحتياطيات السيادية وتدمير الاقتصاد دفعاً نحو زعزعة استقرار النظام في قطر وإضعافه تمهيداً لسقوطه أو إسقاطه. وقد بدا واضحاً أيضاً استحالة الاستجابة لمطالب دول الحصار التي تبدو تعجيزية وتمس بالسيادة والكرامة القطرية، وكأنها شروط لمنتصر في حرب وذكرتنا ببعض الشروط التي فرضها الحلفاء على ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وكأنها صممت لترفض لتبرر بعد ذلك لدول الحصار إجراءات تصعيدية وأكثر عدوانية ضد قطر تصل إلى حد شن حرب عسكرية على الدوحة. خلل في حسابات دول الحصار ولكن في المقابل وعلى أرض الواقع لم تكن أدوات الضغط الاقتصادي المتوفرة لدول الحصار متناسبة مع حجم وقوة طلباتها. فلم يكن هناك تكافؤ بين قوة الطلبات وفاعلية أدوات الضغط، فهناك خلل في الحسابات. فالحصار ليس فقط لم ينجح في تحقيق أهدافه حتى الآن، بل أتى بنتائج عكسية. فعوضاً عن أن يضعف الاقتصاد القطري، هو يؤدي إلى تقويته، وإلى اعتماده أكثر على الذات، وعلى التنويع بالضرورة، وتنويع مصادر ووسائط وارداته، وشركائه التجاريين والماليين، واستثماراته الخارجية، مادياً وجغرافياً وجيوسياسياً. فأصبح الاقتصاد أكثر استقلالاً، وأقل انكشافاً على دول الحصار، والاستقلالية الاقتصادية تعزز من الاستقلالية السياسية، وهذا عكس ما تشتهيه دول الحصار. لقد خسرت دول الحصار أخلاقياً قبل أن تخسر اقتصادياً. إن أفضل ما يوصف به الحصار هو أنه جرعة تحصين كانت ضرورية لإكساب الاقتصاد القطري المناعة والقوة اللازمتين، ومعالجة أوجه القصور والخلل، وهكذا علمتنا تجارب الدول والتاريخ. وهناك عاملان أساسيان أدّيا إلى فشل حصار قطر في تحقيق أهدافه وهما: 1) عوامل بنيوية في اقتصادات دول مجلس التعاون حدت من انكشاف الاقتصاد القطري على دول الحصار 2) السياسات الاقتصادية السليمة التي تبنتها قطر: «أ» مبكراً قبل الحصار خلال العقدين الماضيين لاستغلال الموارد الطبيعية الضخمة، و»ب» السياسات السليمة المضادة للحصار بعد فرضه.   سياساتنا الاقتصادية السليمة أحبطت الحصار   السياسات المضادة للحصار فقط اشتملت على تدخل الحكومة بشكل فوري عندما تعطلت آليات الاستيراد في الأسواق في بعض السلع بفعل الحصار ولعبت دورها كمستورد وكموزع وكمحافظ على الأسعار، ونوعت مصادر ووسائط الاستيراد، وفتحت مصادر وخطوط إمداد بديلة (جوية وبحرية)، واستخدمت البنى التحتية ذات الطاقات الاستيعابية العالية من ميناء حمد ومطار حمد لتجاوز دول الحصار والوصول إلى مصادر الاستيراد الأصلية والبديلة لضمان استمرارية تدفق السلع وبأسعار مناسبة للمستهلك. كما عملت الحكومة على توسعة الطاقات التخزينية لأغراض الأمن الغذائي والإمداد اللوجستي بالسلع الأساسية والمواد الأولية (واستخدمت لذلك الغرض المدن اللوجستية والصناعية والاقتصادية)، كما زادت من إنتاج الغاز بنسبة 30% (وإن كان ذلك مخططاً له من قبل)، إلا أنه في هذه الظروف سيعزز من الاستقرار والاستدامة في القطاعين الحقيقي والمالي، وفي عامل الثقة وسيعمل على جذب الاستثمارات والتعويض عن الانخفاضات المحتملة في الاحتياطات الأجنبية من جراء دعم الاقتصاد بفعل الحصار، كما تبنت الحكومة سياسات محفزة للمنتج المحلي وداعمة للقطاع الخاص في مجال الإنتاج الحيواني والزراعي والصناعات الخفيفة، وتبنت سياسات لجذب السياحة العالمية، وتنويع الشركاء التجاريين والماليين والاستثمارات الخارجية. كما ضخت ودائع وسيولة في النظام المالي للتعويض عن خروج رؤوس أموال وتعزيز استقرار العملة والنظام المالي. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى فشل الحصار والحرب الاقتصادية في تحقيق أهدافهما.     ضعف تركيبة اقتصادات دول المجلس أفشل الحصار   من خصائص اقتصادات دول مجلس التعاون أنها (أ) صغيرة و(ب) منفتحة على العالم الخارجي و(ت) كثيفة الاعتماد على الموارد الهيدروكربونية. وبالتالي يوجد لديك اقتصاد صغير الحجم وثري ولديه موانئ ومطارات مفتوحة على المياه والأجواء الدولية، تمكنه من تصدير موارده الطبيعية إلى العالم الخارجي والحصول على دخله من مصادر خارج الإقليم، وفي المقابل استيراد ما يحتاجه من سلع استهلاكية ورأس مالية من الخارج. وفي المقابل دول المجلس هي أيضاً متخصصة في استخراج مورد واحد (النفط) وتصديره للعالم الخارجي واستيراد في المقابل معظم ما تحتاج إليه من سلع استهلاكية ورأس مالية وعمالة من الخارج. لذلك فهذه الاقتصادات ليست بحاجة إلى بعضها البعض ولا يوجد لديها الكثير مما يمكن أن تتبادله فيما بينها، أو تضغط به على قطر من خلال الحصار التجاري أو المقاطعة. فهذه الدول غير منتجة صناعياً ولا زراعياً. فهي لاتصدر لقطر الآلات ولا المعدات ولا الأجهزة الطبية ولا الأجهزة الإلكترونية ولا الأجهزة الكهربائية. وهي لا تصدر أيضاً سلعاً أساسية كالقمح أو الأرز أو الشعير أو الذرة، ولا شيء من ذلك. فماذا تحاصر أو تقاطع قطر؟ إن هذا الحصار فاشل وغير مجدٍ. فقلة تنوع هذه الاقتصادات أدت إلى محدودية التبادل التجاري والتعامل المالي بينها. هذه التركيبة البنيوية لاقتصادات دول المجلس هيأت البيئة المناسبة لفشل الحصار، فظلت التجارة البينية فيما بينها تراوح مكانها عند 10% من مجموع تبادلها التجاري مع العالم لعقود. وفي المقابل لا يوجد أيضاً لدى هذه الدول الكثير مما يمكن أن تخسره من جراء قطع العلاقات الاقتصادية، فهي لم ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية أساساً، ولم تدخل في مشاريع تكامل اقتصادي ولا وحدة نقدية كما في الحالة الأوروبية حتى ترتفع تكلفة المقاطعة وفرض الحصار على قطر، أو ربما أدى الانهيار في هذه المنظومات إلى زعزعة الاستقرار الاقتصادي لهذه الدول أو فوضى عارمة تجتاحها. بل لو كانت مثل هذه المنظومات قائمة قبل الحصار، لربما شكلت موانع ضد فرضه. وهناك ثلاثة عوامل، كانت ومازالت، تعزز من بقاء هذه الأوضاع على ماهي عليه وهي: (1) عدم وجود طموح أو هدف سياسي أو استراتيجي تجتمع عليه هذه الدول، كوحدة أو تكتل سياسي أو اقتصادي قوي، ولا يمكن أن يتم ذلك مع نزعة الهيمنة وبسط النفوذ لدى بعض الأعضاء على بعض لأن ذلك يقوّض الثقة ويعزز التخوف، (2) استمرار الاعتماد الكبير على النفط، و(3) عدم تنوع الاقتصادات. هذه العوامل مكمل بعضها لبعض ويعزز بعضها من بعض. فالعاملان الآخران يلغيان حاجة هذه الاقتصادات إلى بعضها البعض، وبالتالي يعززان الاستغناء والاكتفاء بالأوضاع السائدة كما كانت عليه قبل الحصار ناهيك عن بعده، ويعززان الاستقلالية الفردية للدول، ومن ثم يعززان من العامل الأول. وفقدان الطموح والحافز في العامل الأول لا يبرران التكلفة المصاحبة للدخول في مشاريع ومنظومات وحدوية كالتخلي عن السيادية والاستقلالية. ونوه في هذا الصدد بأن قطر تبنت مجموعة من السياسات الاقتصادية السليمة سواء كان ذلك مبكراً خلال العقدين الماضيين، من خلال الاستثمار في تطوير بنى إنتاجية وتحتية واستثمارية صلبة وقوية آتت أكلها الآن وشكلت روافد لدعم استقرار واستمرارية الاقتصاد القطري، أو السياسات السليمة المضادة للحصار وفي الوقت المناسب التي تبنتها قطر منذ اندلاع هذه الأزمة.

مشاركة :