إحياء مهن قديمة وتقليدية بسبب الأحداث والأزمة الاقتصادية في سوريا

  • 9/9/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

دمشق: هشام عدرة مع تواصل الأحداث والحرب والأزمة السورية بمختلف أشكالها ومنها الاقتصادية والمعيشية وانعكاسها السلبي على الناس خاصة الفقراء ومتوسطي الحال، عادت للواجهة من جديد مهن دمشقية كانت تتجه للانقراض في السنوات الأخيرة، كما نشطت الأزمة والأحداث مهنا أخرى كانت تعاني من قلة زبائنها. ومن هذه المهن التي عادت بقوة وعاد حرفيوها للعمل بنشاط فيها «الاسكافي»، فالمتجول في أسواق دمشق التقليدية والشعبية يلاحظ زيادة عدد الإسكافية الذين يعملون في دكاكين صغيرة أو على الأرصفة كما في أسواق السروجية وباب الجابية والدرويشية والسويقة وغيرها وحتى في أسواق الحارات القديمة والشعبية. ويوضح سامي خليفة (أبو أحمد)، الذي يعمل اسكافيا منذ أربعين عاما في دكان صغير قرب سوق السنجقدار بدمشق «منذ نحو ربع قرن بدأ عدد الاسكافيين ينخفض كثيرا في دمشق خاصة مع توافر الأحذية الرخيصة الثمن والمحلية الصنع بحيث يمكن للشخص استبدال حذاء جديد بها عندما تتعرض للاهتراء ولا يعمل على جلبها إلينا لصيانتها. وقاومت مع عدد قليل من زملائي المخضرمين انقراض مهنتنا بعد تخلي الكثيرين عنها بسبب مردودها المادي القليل، ولكن في السنتين الأخيرتين ومع ارتفاع جميع أسعار المواد الاستهلاكية وغلاء المعيشة بسبب الأزمة الاقتصادية اضطر الكثير من الناس خاصة أصحاب الدخل المحدود ومتوسطي الحال للمحافظة على أحذيتهم وإجراء صيانة دائمة لها حتى لا يضطروا لشراء حذاء جديد بسعر يفوق أربعة أضعاف تقريبا ما كانوا يدفعونه قبل الأزمة، فالحذاء محلي الصنع والذي كان يباع بخمسمائة ليرة سورية صار يباع حاليا بألفي ليرة، وهو سعر مرتفع إذا ما قورن بدخل الكثير من الدمشقيين. ولاحظت أن هناك عشرات الأشخاص الجدد، ومنهم بعض الشباب، اقتحموا مهنتنا، حيث وجدوا أنها مقبولة من حيث المردود المادي في الظروف الحالية، ومع وجود أشخاص كثر عاطلين عن العمل. ومهنة الاسكافي لا تحتاج لأدوات كثيرة أو لرأسمال، فيكفي وجود ماكينة الخياطة والكبس والأزاميل وأدوات بسيطة أخرى». التنجيد العربي مهنة تراثية قديمة عرفها الدمشقيون منذ مئات السنين، حيث لم يكن يخلو حي وزقاق دمشقي من منجد فرش ولحف ووسائد، ولكن في السنوات الأخيرة من القرن المنصرم انتشرت في أسواق دمشق تجارة بيع الفرشات والوسائد الاسفنجية والمضغوطة والمصنعة بشكل آلي وحديث، فعملت الكثير من الأسر الدمشقية على اقتنائها والاستغناء عن تلك التقليدية المصنعة من صوف الأغنام والتي تحتاج للتنجيد والصيانة الدورية في كل عام. وانعكس هذا الوضع سلبا على المنجدين، حيث انخفض عددهم بشكل كبير، واتجهت مهنة التنجيد للانقراض. ويروي أبو أكرم سراج حكايته مع مهنة التنجيد العربي المستمرة منذ نصف قرن تقريبا، حيث ورث المهنة عن والده من خلال ورشة صغيرة في منطقة القنوات القديمة بدمشق. يتنهد أبو أكرم «لقد قاومت إلحاح أولادي سنوات وهم يطلبون مني ترك المهنة كما فعل الكثير من زملائي المخضرمين خاصة أنها لم تعد مربحة وتسبب إشكالات صحية لي كوننا نتعامل مع غبار الصوف، وعرضوا علي استثمارا محليا بمهنة أخرى، لكنني رفضت وبحزم كل مقترحاتهم. في الأشهر الأخيرة لاحظت زيادة إقبال الناس على محلي، ومنهم من الأسر الشبابية، كما لاحظت افتتاح محلات عديدة في مناطق دمشق تعمل بالتنجيد العربي، وقد استقطبت حرفيين قدامى وجددا، والسبب عودة الناس لاقتناء الفرش واللحف والأغطية والوسائد الصوفية بدلا من الاسفنجية، حيث تضاعفت أسعار الأخيرة عدة مرات في السنتين الماضيتين بسبب أن المواد الأولية لصناعة الاسفنج تستورد من الخارج، والدفع سيكون بالعملة الصعبة. وكما هو معروف ارتفعت هذه العملة أمام الليرة أربعة أضعاف بسبب الأحداث والحرب، ولذلك وجد الكثير من الناس أن العودة للفرش المصنعة من صوف الأغنام أوفر وتخدم أكثر لكنها تحتاج لصيانة دائمة لدينا». ولعل مهنة تصنيع الأراكيل ومستلزماتها، كما يؤكد العديد من المهتمين، هي الحرفة التي عادت للحياة بشكل واسع في دمشق، فمع استمرار الأحداث الدامية وعدم توافر أمان دائم على طرق السفر العامة بين المحافظات السورية اضطر الكثير من الدمشقيين وهم الذين كانوا يعشقون النزهات والرحلات والسفر للبحر، للبقاء في منازلهم أو الذهاب للمقاهي القريبة من سكنهم أو للحدائق العامة ومعهم أراكيلهم، فكان أن افتتحت عشرات الدكاكين في مختلف مناطق دمشق التي تخصص أصحابها في بيع الأراكيل. ورغم ارتفاع أسعارها فهناك إقبال كبير على اقتنائها. وحسب المتابعين للشأن الاجتماعي الدمشقي فإن انتشار الأركيلة كان أكبر بين أوساط الشباب والصبايا والنساء، فهي تساعدهم على تمضية الوقت وكسر الملل والرتابة اليومية التي فرضتها الأحداث والحرب. ومع الإقبال على اقتناء الأراكيل انتشرت العديد من ورش تصنيع مستلزماتها في أسواق دمشقية معروفة كالميدان وباب الصغير وشارع البدوي القريب منه، حيث يعمل شباب كثر ومنهم صغار في السن في هذه الورش ومنهم بيان يوغن (17 عاما) حيث يصنّع برابيش الأراكيل، وهي المهنة التي ورثها عن أسرتها العاملة بها منذ عشرات السنين وعن والده الملقب بـ«أبو المجد». ويشرح بيان العمل والمراحل التي تمر بها هذه الصناعة اليدوية سابقا ونصف اليدوية حاليا «فالزمن المتسارع والطلب الكبير على منتجاتنا حتّم علينا التحول للعمل الآلي، فما كان ينتجه والدي وجدي من البرابيش اليدوية لا يتجاوز 15 بربيشا في اليوم، بينما حاليا تنتج ورشتنا مع دخول الآلة في بعض مراحل العمل 500 بربيش». ويعلق بيان وبامتعاض «لقد أصبحت صناعة برابيش الأراكيل مع الطلب المتزايد على شراء الأراكيل مهنة من لا مهنة له، فمن لديه قليل من المال صار يفتتح ورشة لتصنيعها بعد تعلمها ولبضعة أيام لدى الورش العريقة في تصنيعها، فضاع الصالح في الطالح، واختلط الحابل بالنابل، والحرفيون العريقون فيها مع الدخلاء عليها!». مهن أخرى نشطتها الأزمة وأعادتها للحياة ومنها الخياطة التقليدية، فمع ارتفاع أسعار الألبسة عمل الكثيرون على المحافظة على بدلاتهم وقمصانهم وبناطيلهم من خلال صيانتها باستمرار لدى الخياطين لتدوم أطول فترة ممكنة، حيث انتشرت في الأشهر الأخيرة دكاكين جديدة في أسواق تقليدية كساروجة وحارات شعبية كالدويلعة وكشكول وركن الدين وغيرها يعمل أصحابها في هذا المجال بعد أن كانت مهنة الخياطة في طريقها للانقراض. كذلك مهنة إصلاح بوابير الجاز عادت للحياة، حيث عادت العديد من الأسر الدمشقية لاستخدام البابور بعد تقاعدها عن العمل في مطابخ الدمشقيين منذ أكثر من نصف قرن، ولكن مع الأزمة والأحداث والحرب ارتفعت أسعار المواقد التي تعمل على غاز البوتان، كما ارتفع سعر اسطوانات الغاز نحو خمسة أضعاف، فعاد الدمشقيون لمواقد الأجداد وأجروا الصيانة اللازمة لها أو اشتروا الجديد منها، ليعود حرفيوها الذين انقرضوا في السنوات الماضية لنشاطهم المعهود، ومنهم من أدخلها من جديد مع مهنة أخرى يعمل بها كصيانة الأدوات النحاسية المطبخية وغيرها.

مشاركة :