في الأسابيع الأخيرة حظيت اثنتان من مبادرات الرئيس ترامب خارج الولايات المتحدة الأمريكية باهتمام عالمي، الأولى هي الانفتاح على كوريا الشمالية، والثانية فرض المزيد من الرسوم على الواردات الأمريكية في قرار موجه إلى حد كبير ضد الصين، والسؤال الكبير هنا هو ما إذا كانت هاتان المبادرتان متعارضتين بشكل متبادل. وقبل أسبوعين نشرت جميع وسائل الإعلام العالمية صور ترامب وكيم جونغ أون يتصافحان مبتسمين، ولم يستطع المعلقون إلا أن يشيروا إلى أن ترامب كان يثني دون تحفظ على دكتاتور لديه سجل مروع في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، في وقت يصعد ترامب من هجومه على أقرب حلفاء أمريكا الغربيين، وغضبه بشكل خاص على رئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو. العامل الأساسي المحدد لإنجاح أي مفاوضات هو مدى رغبة الأطراف في التوصل إلى اتفاق، فمثلا يبدو أن الأطراف المتعددة في الأزمة السورية ليس لديها أدنى اهتمام يذكر بالحل السياسي، مما يجعل المحادثات مضيعة للوقت بشكل أو بآخر، وبالمثل ليس هناك آمال كبيرة تعلق على محادثات السلام في فلسطين طالما كان نتنياهو رئيسًا للوزراء، حيث يعمل بجهد لتخريب أي أفق للحل. على العكس من ذلك، يبدو ترامب مستميتًا في الوصول إلى كوريا الشمالية كإنجاز لسياسته الخارجية، وقد تفاخر بشكل ساذج واستباقي الأسبوع الماضي بأنه لم يعد هناك تهديد نووي من كوريا الشمالية. ربما يكون كيم جونغ أون مجنوناً، لكن هذا لا يجعله غبياً، وهو يعرف أنه إذا فشل في العمل من أجل التوصل إلى اتفاق، فإنه قد يجد أسلحة أمريكا النووية الضخمة موجهة مباشرة إلى مكتبه في بيونغ يانغ، وفي الوقت نفسه يبدو أن النظام الكوري الجنوبي متحمس للغاية للعمل من أجل السلام. بيضة القبان في العلاقات الأمريكية - الكورية الشمالية هي الصين، خاصة وأنها تخشى النتائج الكارثية لاندلاع حرب كورية أخرى في شبه الجزيرة الكورية، ومن العواقب الوخيمة لتدفق ملايين الكوريين إلى الصين في حالة تفكك كوريا الشمالية. ومع ذلك لا تريد الصين أيضًا أن تُترك على الهامش عبر صفقة تستند فقط إلى تطلعات واشنطن وبيونغ يانغ، حيث أن عملية إعادة التنظيم الأساسية لكوريا الشمالية يمكن أن يكون لها تأثير كبير في توازن القوى في شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ، ومن دون أن يكون بوسعها أن تتحكم بشكل أو بآخر في البعبع الكوري الشمالي قد تجد الصين نفسها تخسر قوى منافسة مثل اليابان وتايوان. عندما ننظر إلى ذلك في سياق حرب تجارية موجهة في المقام الأول إلى الصين، يمكننا أن نرى أن ترامب لديه مشكلة، فبغض النظر عن مدى إيجابية الكيمياء الشخصية التي لا زالت صامدة بين كيم وترامب، ستكون بيونغ يانغ عميلا دائما لدى الصين، وبالفعل بدأ كيم التواصل مع أمريكا في زيارة غير مسبوقة لبكين، ولا نخطئ إذا قلنا إن هذه المحادثات لن تتحرك مليمترًا إلى الأمام أو إلى الوراء دون مباركة صينية. هذا يمنح الرئيس الصيني شي جين بينغ «الورقة الرابحة» على طاولة تقدم هذه المفاوضات، فنزع السلاح النووي والموقف الاستراتيجي الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية يجب أن يتم الاتفاق عليه في السياق الإقليمي الأوسع، ويمكن للصين أن تختار إما أن تكون مرنة وتتكيف أو أن تعرقل التقدم في كل خطوة. لطالما كان مصطلح «الرسوم التجارية» سيئا ومنفرا ومذموما من قبل الجميع تقريبا، ويتعارض مع مبادئ الهيئات الدولية المعنية مثل منظمة التجارة العالمية، لذا فقد أجبر ترامب على تبرير تطبيقه لتلك الرسوم على الصين والحلفاء الغربيين بمبررات تتعلق بأسس الأمن القومي، معتبرا أن الصلب الصيني والسلع الحيوية الاستراتيجية الأخرى تهدد الأمن القومي الأمريكي. لا يفوت ترامب أي فرصة للمطالبة بإيضاح كيفية تأثير الصين والدول الأخرى على العمال الأمريكيين من خلال الصفقات «الضعيفة» التي وافق عليها أسلافه، ومع ذلك، وبينما تكسب الحرب التجارية العالمية زخما غير مسبوق، سيكون العمال الأمريكيين على وجه التحديد متأثرين بالتكاليف المتصاعدة للسلع الأجنبية؛ أو عندما تفرض الدول المتنافسة تعريفتها الخاصة على مجموعة واسعة من المنتجات المصنعة في أمريكا. من الصعب حاليا معرفة نتائج حروب ترامب التجارية، وهل يستخدم ترامب ببساطة مهاراته الخاصة في التعامل مع الصفقات للضغط على دول أخرى، والتي ستؤدي في غضون الأشهر القادمة إلى سلسلة من الاتفاقيات الودية التي من المحتمل أن تكون مختلفة ظاهريًا عن شروط التجارة الموجودة بالفعل؟. الخطر هو أن المستثمرين والجهات الفاعلة الاقتصادية العالمية الكبرى تأخذ ترامب على محمل الجد، والاقتصاد العالمي الذي كان يتقدم في عام 2017 يتباطأ حاليًا تحسبًا لمواجهات طويلة ومدمرة على التجارة يمكن أن تتصاعد إلى ما هو أبعد من المعايير الحالية، ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الانتكاسات الاقتصادية تقوض بشكل كاف سمعة ترامب بين مؤيديه كرئيس مؤيد للأعمال قبل انتخابات منتصف المدة في غضون بضعة أشهر. قضى ترامب الكثير من حملته الانتخابية في عام 2016 يوجه انتقاداته اللاذعة ضد الصين لإساءة استخدام سلطتها الاقتصادية والسياسية، ومع ذلك ربما كانت سياسات ترامب قد أعطت الصين بطاقة الفوز بشكل أو بآخر، وإذا أراد ترامب التوصل إلى اتفاق لحفظ ماء الوجه مع الصين حول التجارة قبل أن تضر هذه المواجهة بالمستهلكين الأمريكيين، وأن يكون قادراً على المطالبة بانتصار على كوريا الشمالية، وأن يصبح الفائز الأكثر نجاحاً بجائزة نوبل للسلام، فإن إدارته قد تجد نفسها في نهاية المطاف مضطرة لطلب الصفح من بكين. يمكننا القول إن الصين لعبت لعبة ذكية للغاية، وترامب يسير في مضمار ترسمه له بكين في كثير من الأمور فيما هو يعتقد أنه العدَّاء الفائز، وقد نرى حتى الآن الصفقات الكبرى التي تخفف من خطر الحرب النووية وإعادة التفاوض بشأن شروط التجارة العالمية، ومع ذلك فإن اليقين الظاهري هو أن هذه الاتفاقات ستتم صياغتها بشكل كبير وفق شروط ورؤية صينية.
مشاركة :