يبدو أن القضية الفلسطينية ستبقى خاضعة مرة ثانية للمعادلة القديمة، التي تقول، بمقدار ما يكون الموقف الفلسطيني واضحا وقويا في مواجهة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، بمقدار ما يكون العرب قريبين إلى حد ما من الموقف الفلسطيني، وفي أحيان أكثر من ذلك. منذ أن بدأت معالم صفقة القرن بالظهور من خلال قرار الرئيس الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بشرعية الاستيطان، وموقفه من الأونروا، في مخالفة لرأي ومواقف الإدارات السابقة، خشي الفلسطينيون أن يكون العرب ومن خلال التسريبات الأمريكية والإسرائيلية، أن يكونوا قد أخلٌوا بالمعادلة التي تقول نحن مع ما يريده الفلسطينيون، إلى أن أتت القمة العربية في الرياض في 15 إبريل الماضي، لتطمئن الفلسطينيين بشأن قضيتهم، وخاصة مواجهة صفقة القرن. كانت قمة الرياض قمة القدس بامتياز، أعطى العرب الرئيس أبو مازن ما يريد، حيث أكدت القمة على المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، التأكيد العربي على قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض قرار الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، شكل ضربة قوية للموقف الأمريكي. تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري كانت واضحة في هذا السياق، حين قال: رفضنا كل العروض التي تنتقص من المبادرة العربية للسلام، في إشارة لصفقة القرن، وقال أيضا نحن لا نستطيع فرض شيء على الرئيس أبو مازن، وحدد موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية، وبخصوص قطاع غزة قال: دولة في غزة لن تكون، ومصر لن تسمح بذلك، في إشارة أيضا لمحاولات بعض الأطراف لعقد هدنة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل مقابل مساعدات ومشاريع. وفي نفس السياق، تأتي مواقف المملكة الأردنية الهاشمية، في تصريح لكوشنير مستشار الرئيس الأمريكي وصهره “للمنبر”، قال إن جميع الزعماء العرب الذين قابلناهم طالبوا بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية التي تحوي المسجد الأقصى، ومن خلال ما سبق نستطيع أن نسجل أن الموقف الفلسطيني الرسمي والتحركات على الصعيد الدولي في مجلس الأمن الدولي وفي الأمم المتحدة والقمة الإسلامية ساهم إلى حد ما في انضاج المواقف العربية إزاء ما يريده الفلسطينيون. من الواضح أن صفقة القرن تواجه معارضة عربية ودولية تشكل للفلسطينيين حدا أدنى مقبولا في هذه المرحلة، وأن فرص إفشال هذه الصفقة باتت أكبر من فرص نجاحها، وأن نقطة ضعف عناصر مواجهة صفقة القرن هو الانقسام الفلسطيني، إسرائيل وعلى لسان نتياهو عندما التقى بكوشنير وجرينبلات قال إن اللقاء تمحور وبشكل خاص حول قضية غزة وكان هناك توافق بشأن رؤية إسرائيل للتعامل مع غزة يشأن حل المشكلة الإنسانية هناك، ومن خلال التتبع للتصريحات الإسرائيلية والصحافة العبرية، نلاحظ أن هناك شيء ما يطبخ لقطاع غزة، وهذا ما دفع وزير خارجية مصر للتأكيد على رفض مصر لفكرة دولة غزة، أي بمعنى آخر فصل قطاع غزة عن مسار القضية الفلسطينية، ويبدو أن هناك من العرب من يسعى لإبرام صفقة بين حماس وإسرائيل، والأصوات التي نسمعها بين الحين والآخر من بعض أعضاء في حركة حماس ليست بعيد عن ذلك. محاولة تجزئة المسار السياسي الفلسطيني في مواجهة صفقة القرن، بات في هذه المرحلة يشكل خطورة كبيرة على مستقبل القضية الفلسطينية، التسلل من بوابة الإغاثة الإنسانية لغزة والمساعدات والحديث عن بعض المشاريع بالرغم من ما يعيشه قطاع غزة من مستويات عالية من الفقر والبؤس والأهم هو انعدام الأمل للغزيين في العيش بحياة كريمة. ما هو إلا مقدمة لفصل القطاع عن القضية الفلسطينية و المس بوحدة الفلسطينيين السياسية وبالتمثيل السياسي لمنظمة التحرير، والحديث أن هذه الإجراءات ما هي إلا قضايا إنسانية فقط وهم مطلق، السياسة حاضرة بقوة في هذا المشهد. توجه الفلسطينيون في قطاع غزة إلى الشمال في مشهد درامي يؤكد على حق عودتهم إلى أراضيهم وأملاكهم، وأن حل كل مشاكل القطاع هو بالتوجه نحو الشمال للتأكيد على وحدة النظام السياسي الفلسطيني وليس الجنوب إي التوطين في سيناء، كما تريده إسرائيل، ولكي يبقى حل المصالحة وإنهاء الانقسام ووحدة المؤسسات، إلى جانب استعادة الحياة الديمقراطية لدى الفلسطينيين هو الخيار الأفضل لحل كل مشاكل القطاع المتأزمة وهو الحل الأقل كلفة بالنسبة لحركة حماس. فاوض الرئيس أبو عمار الإسرائيليين وبعده الرئيس أبو مازن بدون أي نتائج وكانت الإضرار كبيرة، فما بال حركة حماس أن تعيد الكرة وتقع في مستنقع المفاوضات سواء مباشرة أو غير مباشرة تبقى في النهاية تهدف إلى إخراج حركة حماس من حالتها الوطنية. كاتب مقيم في فلسطين
مشاركة :