الشائعة من شاع الخبر، إذا ذاع وانتشر. ففيها معنى الانتشار والتكاثر، وقد تعددت الأقوال في بيان حقيقتها وبيان مفهومها وتحديدها، فقيل: هي نبأ مجهول المصدر، سريع الانتشار، ذو طابع استفزازي في الغالب. وقيل: هي مجموع سلوكيات خاطئة سريعة الانتشار، تُثِير البَلبلة والفتنة في المجتمع. وقيل: هي معلومة ضالَة مضللة تصدر من فردٍ، ثم تنتقل إلى أفراد، ثم إلى المجتمع، فهي محمولة على الضلال، وهي مجموعة أخبار مُلَفَّقة تعمل على نشر الفوضى بين الناس. وأقرب ما قيل في بيان مفهوم الشائعة وتحديدها ومفهوم حقيقتها أنها أقاويل وأخبار يتناقلها الناس بقصد الإرجاف، صحيحةً كانتْ أو غيرَ صحيحةٍ. لقد عانت البحرين طويلاً من هذه الآفة المجتمعية، ونظرًا إلى خطورة الآثار المترتبة على نشر وبث الإشاعات والأكاذيب، فإن وزارة الداخلية ممثلة في إدارة الإعلام الأمني تقوم على مدار الساعة بمتابعة كافة المواقع المختلفة للوقوف على صحة المعلومات المنشورة عليها ومعرفة مصدرها ومروجها، وحتى لا نخوض في تفاصيل المهم وننسى الأهم، أعلن قبل أيام عن هبوط الدينار البحريني مقابل الدولار مما سبب بلبلة في أوساط المجتمع، سواء الشارع التجاري أو الاقتصادي أو المصرفي، وسرعان ما أصدر مصرف البحرين المركزي بياناً ينفي ذلك ويؤكد على حفاظ الدينار على صرفه مقابل الدولار. وفوراً، أعلنت كل من السعودية والكويت والإمارات، بيانا مشتركا أكدت فيه قرب الإعلان عن برنامج متكامل لدعم الإصلاحات الاقتصادية في البحرين واستقرارها المالي، لتقوم بعض الجهات والمنابر الشاذة باستغلال هذا الدعم لتروج للبحرين على أنها في أزمة حقيقية، وفي الواقع هذا الدعم منذ سنوات، حيث وقعت البحرين مذكرة تفاهم تقوم بموجبها دولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم منحة قيمتها 2.5 مليار دولار أمريكي لدعم مشاريع التنمية في مملكة البحرين على مدى 10 سنوات بواقع 250 مليون دولار سنويّاً، وسبق أن تم التوقيع على اتفاقية إطارية بين البحرين والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بشأن تنفيذ المنحة المقدمة من دولة الكويت في إطار برنامج التنمية الخليجي، كما تم توقيع 6 اتفاقيات منح مماثلة مع الصندوق السعودي للتنمية. لقد أسرد الزملاء الأعزاء كتّاب أخبار الخليج، في مقالات عديدة حول هذا الموضوع، واختصرها الأستاذ عبدالرحيم فقيري في (عيب عليج يا رويترز)، التي نقلت الخبر على لسان مصرفيين مجهولين، ولأهداف معلومة! وفي هذا الإطار، تواصلت (أخبار الخليج) مع الخبير الاقتصادي د. أكبر جعفري الذي أوضح الأمور وجعلها تأخذ المنحنى الطبيعي، حيث صرح قائلا: «لنكن واقعيين، الوضع المالي للبحرين ودول الخليج وغالبية دول المنطقة صعب، ولكن ليس بمستوى الأزمة». وأضاف جعفري «هذه الأمور تحدث في الاقتصاد بسبب تقلبات اسعار السلع وبالذات اقتصاد دول الخليج التي هي أحادية السلعة، لذلك ننوه على ضرورة وأهمية تنويع مصادر الدخل، فكل ما تنوعت السلعة كانت المضامين أكثر»، ولفت جعفري الى أن العديد من الدول تمر في ظروف مالية صعبة ولكن لا نرى الإعلام يسلط الضوء عليها، وأكد أن الحكومة تحت ضغط بسبب انخفاض اسعار النفط وعجز الموازنة، ولكنها لديها الخبرة لتفادي مثل هذه الظروف. وأشار الخبير الاقتصادي البحريني الى أنها ليست المرة الأولى التي تمر فيها البحرين بمثل هذه المطبات ولكنها دائماً ما تتخطاها وتتعافى، مؤكدا أنه من السبعينات إلى الان مرت الحكومة بضغوطات مالية ولكن لديها الدراية والكفاءة بكيفية السيطرة على الوضع. وعما حدث قبل أيام، أسرد جعفري قائلاً «تم استباق الاحداث وتسرعت بعض وسائل الاعلام في ذلك، إذا مرت الدولة في ظروف مالية، فهناك خيارات عديدة للحكومة وإحداها خفض سعر الدينار ولكن لم يكن هذا الخيار ذا الأولوية، ولكن للأسف استغلت بعض الجهات والوسائل ونقلت الخبر على أن الدينار انخفض ولكن في الأساس الدينار لم يهبط حتى!». وشدد جعفري على أن الدعم بادرة خير وأن اخواننا في الخليج هم في مقدمة الدول الذين يحمون سمعة البحرين ومكانة البحرين المالية والسياسية، فنحن اسرة واحدة وهذه سمة متوارثة، لافتاً الى أن الامور في مسارها الصحيح الآن، وحافظ سعر الدينار على مركزه وهو رسمياً لم ينخفض امام الدولار ابداً وكل ما حدث تكهنات إعلامية ولا يخفى على أحد ان هناك جهات تتربص بالبحرين وتريد بها السوء وأنها تتمنى ذلك. وتوقع جعفري أن «يتماسك الدينار ويصمد بعد أن صمد أكثر من 40 سنة امام الدولار، مؤكدا أن هناك اسبابا متعددة ومتشعبة لتغيير سعر العملات، فأحيانا متعمدة من قبل الحكومات وأحيانا مفروضة بحسب الأزمة التي تمر بها البلاد، وأن البحرين لم تكن متعمدة ولا مفروضة ولكن الإعلام احدث ضجة وتشويشا». وختم «الدينار سيحافظ على قوته لأمد بعيد، شاكراً مصرف البحرين المركزي للتفاعل مع هذا الموضوع بكل سرعة وشفافية وادائهم الإداري في الحفاظ على كينونة الوضع المالي والمصرفي في البحرين». ومن جانبه صرح الخبير الاقتصادي د. عمر العبيدلي لـ (أخبار الخليج)، قائلاً «يتفق كل من حكومة البحرين ومصرف البحرين المركزي والدول الخليجية الداعمة وصندوق النقد الدولي على أهمية ربط الدولار بالدينار البحريني على السعر الراهن، وفي ظل البيان الذي صدر من الدول الداعمة، من المتوقع أن تستمر الحكومة في سياستها النقدية الحالية». وأضاف العبيدلي «كون الدينار عملة مربوطة بالدولار بسعر ثابت، لا يتغير السعر، إذ يضمن مصرف البحرين المركزي سعر الصرف، كما أنها قابلة للاستدامة، ولكن كما اتضح في عام 2008، الاقتصاد العالمي قد يتعرض إلى أزمة في أي وقت ودون إنذار مسبق وعلى عكس توقعات الخبراء، وبالتالي لا يمكن التحدث عن المستقبل البعيد باليقين». ولفت مدير برنامج الدراسات الدولية والجيو - سياسية في مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات) الى أن المبادرة الخليجية ليست حالة استثنائية، إذ تتعاون البحرين مع السعودية والإمارات والكويت بشكل مستمر ومنذ زمن طويل. ولكن التعاون الخليجي أحياناً يكون غير علني، وقد يؤدي ذلك إلى شعور عند بعض الجهات الدولية بأن معدل التعاون تراجع، بسبب عدم تداول تفاصيل واضحة حول طبيعة التعاون. وفي تلك الحالات قد يطمئن بيان مثل البيان الذي صدر هذا الأسبوع المستثمرين العالميين. وبحسب مؤشرات تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، فإنه على الرغم من وجود قدر كبير من عدم اليقين بشأن آفاق الاقتصاد العربي وتوقعات نموه خلال العام المقبل، بسبب غموض مسار أسعار النفط والأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، يرجح تقرير صندوق النقد الدولي أن يشهد الاقتصاد العربي تحسنا في متوسط معدل النمو ليبلغ 3.1% في 2018، ويرتفع معه الناتج العربي إلى نحو 2.8 تريليون دولار وذلك بالتزامن مع النمو المتوقع للاقتصاد العالمي خلال نفس الفترة بمعدل 3.2%، مع احتمالات استقرار أسعار النفط فوق مستوى 50 دولارا للبرميل. ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط وتصحيح الأوضاع المالية العامة إلى إعادة الحساب الجاري الكلي للبلدان المصدرة للنفط إلى وضع قريب من التوازن، كما من المتوقع أن يشهد مجلس التعاون الخليجي نمواً بنسبة 2.2% بشكل عام خلال 2018 بسبب تخفيضات إنتاج النفط واتفاق أوبك الأخير بارتفاع الانتاجية، والذي تساهم الدول العربية بنحو 90% منه.
مشاركة :