د. راضي جودة يكتب: أعلام من بلدنا.. السيد محمد كُريِّم

  • 7/12/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يحتل السيد محمد كُريِّم مكانة مرموقة في صفحات الكفاح المصري، ويعد من أبرز زعماء المعارضة الشعبية العربية في العصر الحديث.كان حاكما للإسكندرية حين مجئ الحملة الفرنسية سنة 1789. وتجلت بطولته في مقاومة الغزو الفرنسي. واستمر في نضاله إلى أن حكم الفرنسيون عليه بالإعدام رميا بالرصاص.ولد السيد محمد كريم بحى الأنفوشي بالإسكندرية قبل منتصف القرن الثامن عشر، ونشأ يتيما محروما من عطف الوالدين، فكفله عمه وافتتح له دكانا صغيرا يعمل فيه قبانيا في ذلك الحى، وكان يتردد على المساجد ليتعلم، وعلى الندوات الشعبية ليتحدث، وعرف بين أهل مدينته بوطنيته وشجاعته وشعبيته، فأحبه الناس وقدروه.وقد عينه مراد بك – حاكم مصر مع ابراهيم فيما بين 1790-1798- حاكما للإسكندرية ومديرا لجماركها، وقبل مجيء هذه الحملة بأيام وصل إلى ثغر الإسكندرية الأسطول البريطاني بقيادة الأميرال نلسن يوم 28 يونيه سنة 1798 يفتش عن الأسطول الفرنسي، لكنه لم يلتق به لأنه تأخر في طريقه بسبب احتلال مالطة. فأرسل الأميرال نلسن إلى السيد محمد كريم ينبه إلى احتمال حضور الأسطول الفرنسي، وطلب منه أن يأذن له بدخول الإسكندرية لكن السيد محمد كريم رفض لأنه لا يريد أى غزو أجنبي إنجليزيا كان او فرنسيا، وظل نلسن ينتظر بأسطوله خارج الثغر أربعا وعشرين ساعة، ثم أقلعت بوارجه يوم 29 يونيه متجهة إلى شواطئ الأناضول.أما الحملة الفرنسية فقد وصلت غربي الإسكندرية -تجاه العجمي- أول يولية 1798 وأخذت جحافل نابليون تتجه رأسا نحو المدينة التي لم يكن عدد سكانها يزيد عن ثمانية آلاف نسمة آنذاك، ولم يكن بها من الجنود ما يكفي لصد هذا الجيش الفرنسي الكبير المزود بالمعدات الحديثة.على أن السيد محمد كريم -حاكم المدينة الوطني- استعد للكفاح والنضال وبث في نفوس المواطنين روح المقاومة فلبوا نداءه، واحتشد الأهالي الذين يحملون السلاح على الأسوار وفي الأبراج للدفاع.فلما اقترب الجيش الفرنسي، وقبل أن يبدأ هجومه؛ صعد نابليون على الربوة المقام عليها عمود السواري – وكان العمود آنذاك قبلي سور الإسكندرية- وحين شاهد أسوار المدينة ومآذنها وقلاعها، ورأى الأهالي محتشدين بأعلى الأسوار؛ مشاة وركبانا، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، ومعظمهم مسلحون بالبنادق والرماح؛ فأصدر أمره بالهجوم العام. فأخذ المواطنون يطلقون النار من المدافع المركبة على الأبراج والأسوار إطلاقا من غير إحكام، فأحاط الأعداء بأسوار المدينة وهاجموها، ثم اقتحموها. واستمر المواطنون يقامون ويطلقون النار من الشوارع والبيوت. وكاد نابليون نفسه يصاب في زقاق ضيق برصاصة قاتلة، لولا الحظ الذي نجاه من الموت.وظل محمد كريم يقود المعركة، ثم اعتصم بقلعة قايتباى ومعه فريق من المقاتلين حتى فرغت ذخيرته فكف عن القتال، ولم يكن بد من التسليم، ودخل نابليون المدينة وأعلن بها الأمان.وأعجب نابليون بشجاعة محمد كريم، فأطلق سراحه من الأسر، وتظاهر بإكرامه، وأبقاه حاكما للإسكندرية كما كان- أملا في ضمه إلى صفه-، ولكن الحوادث خيبت أمله، فظل محمد كريم يثير القلاقل في وجه الفرنسيين وكان قد قبل البقاء في منصبه ليكون على علم بخطوات العدو ونواياه.وقد وصف أحد كتاب الحملة الفرنسية اجتماع نابليون بمحمد كريم ومعه بعض كبار رجال الثغر فقال عن محمد كريم: "إن على ملامح الرجل الذكاء والدهاء".وبعد أن تم لنابليون الاستيلاء على الإسكندرية عين كليبر حاكما عسكريا عليها وأوصاه بحسن معاملة الأهالي وأن يحترم شعائرهم الدينية وتقاليدهم. ثم أرسل خطابا إلى السيد محمد كريم الحاكم الوطني بتاريخ 7 يولية 1798 يثني فيه عليه، ويقره في منصبه، ويجعل له حق الاتصال المباشر به.. يتضح من هذه الرسالة ما كان لمحمد كريم من مكانة وشعبية لا يستطيع نابليون تجاهلها.ولما ثبت لدى كليبر أن السيد محمد كريم يقوم بتدبير المقاومة الوطنية ضد الفرنسيين أمر بالقبض عليه وذلك يوم 20 يولية 1798م ثم أرسل للقاهرة وأمر نابليون بمحاكمته واستمرت المحاكمة حتى 5 سبتمبر 1798 وفي نهايتها صدر حكم بإعدامه رميا بالرصاص، ومصادرة أملاكه وأمواله، وسمح له أن يفتدي نفسه بدفع غرامة ثلاثين ألف ريال.رفض السيد محمد كريم أن يدفع الفدية وأظهر شجاعة نادرة أمام حكم الإعدام، وقال: "إذا كان مقدورا على أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع هذه الفدية، وإذا كان مقدورا على أن أعيش فعلام أدفعها؟".وقد نفذ حكم الإعدام في السيد محمد كريم ظهر الخميس 6 سبتمر 1898 بميدان الرميلة وطافوا برأسه في شوارع القاهرة.ويصف (عبدالرحمن الجبرتي) هذا الحادث الأليم بقوله: "أركبوه حمارا، واحتاط به عدد من العسكر وبأيديهم السيوف المسلولة، ويتقدمهم طبل يضربون عليه، وشقوا به "الصليبة" إلى أن ذهبوا إلى "الرميلة". وكتفوه وربطوه مشبوحا، وضربوا عليه البنادق كعادتهم فيمن يقتلونه، ثم قطعوا رأسه، ورفعوها على نبوت، وطافوا به بجهات الرميلة والمنادي يقول: هذا جزاء من يخالف الفرنسيس. ثم أن أتباعه أخذوا رأسه ودفنوها مع جثته وانفض أمره وذلك يوم الخميس خامس عشر ربيع الأول سنة 1213هـ".

مشاركة :