قال خطيب جامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجودر: إن الله تعالى بعد أن أرسل رسوله محمدا بالهدى ودين الحق فإنه ختم بذلك الدين جميع الرسالات السابقة، ونسخ بالقرآن جميع الكتب المنزلة، فأصبح هذا الدين صالحا لكل زمان ومكان، ومهيمنا على سائر الأديان، لذا صار متعينا على كل أتباع هذا الدين في أي مكان من العالم بأن يعتزوا بشريعتهم الغراء، وأن يظهر ذلك جليلاً في سلوكهم وأخلاقهم وتعاملهم، .لقد جاءت أحكام الشريعة الإسلامية الغراء لتؤكد على ذلك التمييز، وتحذر من ما يقلل من ذلك الاعتزاز، فضلاً عما ينغص عليه، وتؤكد العقيدة على مسألة الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من الكفار والمنافقين وأعداء الدين، إن الأحكام الإسلامية التي دلت عليها نصوص القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة لتؤكد على الحفاظ على الهوية الإسلامية وذلك من خلال أمور كثيرة منها: تحريم مشابهة الكفار في لباسهم وهيئة شعورهم وطريقة حديثهم وأسلوب تعاملهم، رأى النبي ذات يوم على عبدالله بن عمرو بن العاص ثوبين معصفرين -أي: مصبوغين بالعصفر- فقال: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) (مسلم)، والقاعدة العامة في هذا الحديث المشهور: (من تشبّه بقوم فهو منهم)، وهذا فيه تحذير من التشبه بالكفار. ومن الأمور المهمة للمحافظة على الهوية هو تفضيل المسلمين على غيرهم، ولتأكيد الهوية الإسلامية هو لزوم الجماعة، والحذر من الفرقة والخلاف والشقاق، فإن من أبرز علامات الهوية هو الاتحاد والعمل الجماعي ووحدة الصف وعدم الخلاف والشقاق. ومما يقوي الاعتزاز بالهوية العناية باللغة العربية، وهي لغة القرآن، ومتى ما تنازل أبناء الأمة عن لغتهم، وأخذوا يرطنون بلغات أخرى فإن ذلك بداية الإنهيار والتلاشي، ولا يمكن قراءة القرآن وفهم السنة النبوية من دون الإلمام باللغة الأم، فهي مصدر عزهم وقوتهم وسيادتهم، لقد حاول المستعمرون نشر ثقافاتهم ولغاتهم، إنجليزية وفرنسية وإيطالية وإسبانية وغيرها ولكنهم اصطدموا بلغة قوية متماسكة يتلوها المسلم في صلاته كل يوم، بل حاولوا تغيير الاسماء العربية واستبدالها بأسماء أجنبية ولكنهم لم يستطيعوا فلا زال المسلمون يتمسكون بأسماء أنبيائهم وأصحاب النبي وآل بيته والأعلام من هذه الأمة ممن قدم الكثير للبشرية في الطب والعلوم والرياضيات وغيرها، قال ابن تيمية مبينًّا فضل الفاتحين من المسلمين في تعليم اللغة العربية لأهل البلاد التي فتحوها: (ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأرض المغرب ولغة أهلها بربرية، عودوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار، مسلمهم وكافرهم، إلى أن قال: وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة، ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب). وأن من أهم عوامل المحافظة على الهوية هو الاعتزاز بالذات، والثقة بالنفس، فالأمة التي لا تثق بقدراتها، ولا تعرف مكامن قوتها فإنها تظل في آخر الركب، تابعة للأمم، وهذا هو الإنهزام الذاتي، وأمتكم –عباد الله- تملك كل مقومات القوة والتواجد والثبات، ولكنها تحتاج إلى الفهم الصحيح للدين والتواجد المستمر مع سائر الأمم لتحقيق الخلافة الإلهية في الأرض. إن من أبرز علامات الهوية الإسلامية هي التعايش السلمي، فقد أثبت المسلمون عبر تاريخهم الطويل بأنهم سادة التعايش السلمي، فقد عاش بين ظهرانيهم النصارى واليهود والهندوس والبوذا وغيرهم محفوظي الحقوق والكرامة، فالتعايش السلمي بين البشر يقوم على أسس راسخة تهدف لتحقيق مصالح البشر، وهذه لا توجد إلا في شريعة السماء التي نزلت على سيدنا ونبينا محمد الداعي للبر والإحسان والتقوى والرحمة والمحبة والإيثار والإنصاف ونصرة المظلوم.
مشاركة :