في السياسة غالبا ما تتعدد الخيارات، تارة بشكل متعرج وتارة أخرى بشكل مباشر وهذا نادرا، ولكن في الحالة الفلسطينية عامة وقطاع غزة خاصة، تختلف الصورة كثيرا، فالخيارات تكاد تكون معدومة في أحيان كثيرة. قطاع غزة.. ذلك الشريط الضيق الذي يعيش فيه حوالي مليون وثمانمائة فلسطيني، يعيشون في شروط صعبة للغاية وفق كل تقارير المؤسسات المحلية والدولية، تحكمه حركة حماس التي تسيطر عليه منذ أكثر من 11 سنة، وطيلة هذه الفترة عاش الغزيون فصولا متعددة، تارة بالذهاب لمفاوضات ماراثونية بين حركتي فتح وحماس بهدف تحقيق المصالحة، وتارة أخرى نحو الحرب حيث خيضت ثلاثة حروب تدميرية إلى جانب عشرات المناوشات بين الفينة والأخرى، فشل الفلسطينيون حتى اللحظة في إنجاز وحدة مؤسساتهم الوطنية، حتى تراجعت احتمالاتها كثيرا ليحل محلها تارة شبح الحرب التي سوف تأكل الأخضر واليابس، وتارة أخرى خيار جديد لن يكون إلا استمرارا لحالة البؤس والشقاء، ألا وهي الهدنة الطويلة بين حركة حماس وإسرائيل، ممكن للهدنة أن تجنب قطاع غزة الحرب ولو قليلا، ولكن أضرارها السياسية كبيرة جدا ليس على قطاع غزة فقط، بل على مجمل الحالة الفلسطينية، ذلك لأن للهدنة مضامين سياسية خطيرة وما هي إلا استمرارا لسياسة ورؤية إسرائيل التي تتلخص في عزل القطاع عن القضية الفلسطينية، والتعامل معه بسياقات سياسية مختلفة جذريا عن سياقه الوطني. صفقة العصر أيقظت الوعي الفلسطيني الجمعي، وجعلت الفلسطينيون ينظرون إلى الوراء قليلا إلى جملة السياسات والممارسات الخاطئة، بل أكثر من ذلك، فالمشروع الوطني الذي يعيش مأزقا حقيقيا ليس فقط بفعل السياسة العدوانية التي تقوم بها إسرائيل العدو القومي، بل بفعل جملة من الممارسات والسياسات التي قام الفلسطينيون بها بأنفسهم، وأكثرها إجراما هو الانقسام الفلسطيني الخطير الذي وضع الحالة الفلسطينية ضمن سيناريوهات صعبة، ليس أقلها سيطرة حركة حماس على القطاع بالقوة المسلحة فقط، بل أيضا بفعل السياسة الخاطئة التي تقوم بها القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني، سواء السلطة أو المنظمة. صفقة القرن التي واجهتها السلطة الفلسطينية ورفضتها حتى هذه اللحظة، تحاول الإدارة الأمريكية وإسرائيل مستغلين الوضع المأساوي للسكان الفلسطينيين في قطاع غزة التسلل عبر بوابة الاحتياجات والمساعدات، والاتفاق يبدأ بتهدئة بين حماس وإسرائيل ولا ينتهي فقط بتأسيس كيانات ممسوخة في القطاع تنفيذا للحل الذي يراه نتنياهو وجماعته الفاشية، بأن حل القضية الفلسطينية في قطاع غزة وجزء من سيناء تحت شعار التنمية الاقتصادية للسكان، الهدنة الطويلة تجعل نتنياهو يستفرد بالضفة الغربية ومدينة القدس ويحولها إلى “كالنتونات” معزولة، وأمام هذا المشهد المعقد تجري الوساطات والمفاوضات غير المباشرة تحت النار، إسرائيل مازالت تراهن على نزع تنازلات كثيرة تضمن لنتياهو بياض وجهه أمام خصومه، وفي ظل استمرار المفاوضات التي تجري على صفيح ساخن، من خلال استمرار المناوشات الحدودية ومسيرة العودة و إطلاق البالونات الحارقة، يبقى خيار الانزلاق للحرب الواسعة أو المحدودة حاضرا بقوة، أو مجرد التلويح المستمر بالحرب، فالصحافة الإسرائيلية تعج بالوعيد لقطاع غزة، جولة الأسبوع الفائت ليست بعيدة عن ذلك، إذا كانت حركة حماس تحاول تجنب الحرب لأنها تدرك مصائبها ليس عليها فحسب بل على السكان الفلسطينيين، فالسبيل لذلك لا يكون باتفاق هدنة لها ملاحقها الأمنية التي تخرج حركة حماس من جوهرها كحركة مقاومة، السبيل لإخراج القطاع من كل مشاكله ومآسيه هو بالذهاب نحو المصالحة وإنجاز وحدة مؤسساتنا الوطنية، عندها فقط ممكن الذهاب إلى تهدئة بين المقاومة بكل أطيافها وإسرائيل، وموافقة الجميع وعلى أرضية وطنية خالصة لأن التهدئة عندها تكون مطلبا رسميا فلسطينيا ضمن رؤية فلسطينية جامعة موحدة. أما بشأن الحديث عن أن حركة حماس ستذهب لمفاوضة إسرائيل لأنه لا يوجد مانع ديني لذلك، كما ذهب صديقنا غازي حمد وأنها أي حماس لن تكرر أخطاء حركة فتح في مفاوضات أوسلو، هذا الكلام يجانبه الصواب كثيرا، فحركة فتح فاوضت طيلة العشرين عاما بدون نتائج حقيقة، بل زاد واتسع الاستيطان، وكانت قيادة فتح تسعى إلى دولة فلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، في حين دعوة أخي غازي تتعلق بقطاع غزة أي كيان مسخ وهناك فارق كبير، والأهم من ذلك إذا كانت قيادة المنظمة فاوضت طيلة هذه المدة أي جربت المفاوضات واكتوت بنارها وفشلت، في الوقت الذي كان يقف خلف منظمة التحرير كل العرب والعالم وتدفقت الأموال، فما بالنا بحركة حماس المعزولة والمرفوضة من العرب والإقليم والعالم، والسؤال هو: هل تستطيع حماس مجاراة اسرائيل وحدها بدون سند إقليمي؟.. بالتأكيد لا بل ستكون رهينة لمفاوضات واشتراطات لا حصر لها، وتتدحرج كثيرا لقاع المطالب والالتزامات. لا خيار لحركة حماس أولا لحماية نفسها من هذه الانزلاقات الخطيرة، وثانيا لحماية القضية الفلسطينية وتأمين مستلزمات صمود شعبنا، إلا بالذهاب نحو المصالحة عندها نجوع موحدين ونأكل موحدين ونجابه عدونا ونحن موحدين. * كاتب مقيم في فلسطين
مشاركة :