الحكومة اللبنانية عالقة في مأزق التأخير

  • 8/15/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت - تعوّد اللبنانيون على أن يصاحب تشكيل حكومة للبلد حالة استعصاء مزمنة وشدّ وجذب تبدأ بإصرار كل فريق على موقفه وتتحول إلى فراغ حكومي (ورئاسي في بعض الحالات) وتنتهي بشلل وأزمة شاملة تضرب كل مفاصل البلد. ويتكرر هذا السيناريو مع اقتراب دخول المشاورات حول تشكيل الحكومة شهرها الثالث. ومنذ 24 مايو الماضي، حيث يواجه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أزمة في تشكيل حكومته في ظل سعي حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر إلى فرض تشكيلة تتوافق وأجنداتهما. حصة الرئيس تكشف مصادر لبنانية متابعة لعملية تشكيل الحكومة أن الهمّة الجديدة التي أطلقها سعد الحريري، نفخت رياحا في عملية تشكيل الحكومة، دون أن تنجح في إزاحة العقد الكبرى التي حالت، ومازالت، تحول دون خروج الدخان الأبيض. وتلفت المصادر إلى أن كبرى هذه العقد مازالت مسيحية وتحتاج إلى المزيد من التنازلات من قبل التيار الوطني الحر، بزعامة وزير الخارجية جبران باسيل، وحزب القوات اللبنانية، بزعامة سمير جعجع. وأضافت أن ما تسرّب من اجتماع الحريري مع باسيل قبل أيام يفيد بأن الأخير وافق على التخلي عن مطالبة بحصة من 11 وزيرا يكون فيها للتيار 6 وزراء ولرئيس الجمهورية 5 وزراء. يشكل الرقم 11 ثلثا معطلا تم اعتماده في اتفاق الدوحة الذي أبرم لمرة واحدة عقب أحداث 7 أيار عام 2008. ويسعى الحريري في توليفته الحكومية إلى منع أي فريق سياسي من امتلاك الثلث المعطل، علما وأن منطق الأرقام لا يستوي داخل حكومات لبنان، فيكفي لوزراء طائفة واحدة مهما قل عددهم أن يضربوا ميثاقية الحكومة إذا ما قرروا الاستقالة والانسحاب منها. ويقول خبراء إن “حصة الرئيس” بدعة لا تمتّ بصلة إلى نصوص الدستور، وأن الرئيس ميشال عون نفسه، وقبل أن ينتخب رئيسا للجمهورية، سبق وشن هجمات عنيفة ضد هذه البدعة في معرض انتقاده لمنح الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان هذه الحصة. ويضيف هؤلاء أن فريق الرئيس عون وصهره باسيل يسعى لنفخ حصته متجاوزا الدستور ومتمسكا بأعراف مورست قهرا في عهد الوصاية السورية. وتفيد المعلومات عن مصادر في القوات اللبنانية أن الأخير وبعد أن وافق على قبول 4 حقائب بدل 5 كان يطالب بها على أن تكون إحداها سيادية، قد يوافق، تسهيلا لمهمة الحريري، على التخلي أيضا عن الحقيبة السيادية بعد أن تخلى سابقا عن المطالبة بمنصب نائب رئيس الحكومة. حزب الله ينتظر من محور الحريري-جنبلاط-جعجع النجاح في تقويض طموحات جبران باسيل دون أي تدخل منه وفيما تبدو العقدة المسيحية هي الأكبر كونها مرتبطة بالحجم المسيحي داخل الحكومة الذي يمكن أن يكون له تأثير على هوية رئيس الجمهورية المقبل عام 2022، راجت بعض الأنباء في الأيام الأخيرة عن احتمال قيام عون بتقديم استقالته قبل نهاية مدة رئاسته، ما يستدعي إجراء انتخابات رئاسية مسبقة يريد باسيل، ومن خلال حضور فريقه في الحكومة، أن تكون حظوظه مرجحة. ونقل عن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أنه لم يتدخل لدى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط للتوسط لإيجاد مخرج للعقدة الدرزية في الحكومة العتيدة. ورغم رواج مخارج تقضي بمنح جنبلاط وزيرين درزيين ووزيرا مسيحيا بدل حصة من ثلاثة وزراء دروز يطالب بها، فإن مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي أفادت بأنها لم تبلغ رسميا بهذا الطرح ولم يجر التواصل مع جنبلاط، مع العلم أن الموقف الرسمي لجنبلاط مازال مصرا على حصر التمثيل الدرزي به ومعارضة توزير طلال أرسلان القريب من حزب الله والنظام السوري. وتقول مصادر بري إنه بانتظار لقاء الحريري مع جنبلاط؛ فلن يتحرك زعيم حركة أمل متجاوزا الرئيس المكلف. ولفت المراقبين عدم تحرك حزب الله للدفع بتشكيل الحكومة، رغم أن للحزب مصلحة في سرعة ذلك تجنبا للضغوط الدولية التي تمارس عليه كما تلك التي تمارس على طهران. ويرجح المراقبون أن حزب الله يسعى من خلال ذلك إلى المحافظة على تماسك تحالفه مع قوى 8 آذار لا سيما مع التيار الوطني الحر، خصوصا وأن “ورقة التفاهم” الموقعة عام 2006 أمّنت للحزب غطاء مسيحيا في الداخل اللبناني. لكن الحزب ينظر بعين القلق إلى “الثلث المعطل” الذي يسعى إليه باسيل وينتظر من محور الحريري-جنبلاط-جعجع النجاح في تقويض طموحات باسيل دون أي تدخل منه. ويقارب حزب الله التطورات الإقليمية بقلق حيث يبدو أن الأحداث في سوريا ستفرض عليه الانكفاء داخل الحدود اللبنانية وسحب أي نشاط له في المنطقة. وفي ظل هذا الوضع، يسعى الحزب إلى تصفير مشاكله مع خصومه السياسيين في لبنان في المرحلة الحالية، وهو يرسل الإشارات المتمسكة بالحريري لتأليف الحكومة وعدم ممانعته لمطالب القوات اللبنانية ومسايرة مطالب الجنبلاط. وتتحدث بعض الأوساط عن أن مطالبة الحزب بتوزير سنّي يمثل المعارضة السنّية المتحالفة معه قد يتم إيجاد مخارج لها من خلال رئيس الجمهورية. ويقضي هذا المخرج بأن يكون الوزير السنّي، والمرجح أن يكون فيصل كرامي، من حصة عون مقابل أن يعيّن الحريري وزيرا مسيحيا ينتمي إلى تيار المستقبل. تأثيرات خارجية Thumbnail ترخي التطورات الخارجية بظلال ثقيلة على عملية تأليف الحكومة. وينهل محور المستقبل-القوات-الاشتراكي قوته من جدية التحولات التي تضغط باتجاه تحجيم الحضور الإيراني، لا سيما في سوريا، وأن الفريق الآخر يدرك أيضا جسارة الضغوط الدولية، لا سيما تلك التي تمارسها واشنطن على إيران وحزب الله، التي تمنعه من الذهاب بعيدا في مطالبه وطموحاته. وطرأت مؤخرا تفاصيل جديدة على الموقف الأميركي لا يمكن إلا أن تجد لها صدى داخل ورشة تأليف الحكومة. وتشي المعلومات التي تعمد الإدارة الأميركية إلى تسريبها إلى أن واشنطن حسمت مسألة بقاء القوات الأميركية في سوريا، على الرغم من تصريح الرئيس دونالد ترامب في أبريل الماضي بالانسحاب القريب من هذا البلد. ومن المتوقع أن يغيّر هذا الموقف المعادلة الداخلية لإنتاج حكومة لبنان، كما أن زيارة وفد من وزارة الدفاع الأميركية إلى بيروت تؤسس لواقع أن الولايات المتحدة حاضرة بقوة في الشأن اللبناني على الرغم من الهامش العريض الذي باتت روسيا تملكه في سوريا. وتقول معلومات واردة من واشنطن إن الوفد برئاسة مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي روبيرت كاريم، الذي يوصف بالمتشدد، وسيطرح في بيروت، إضافة إلى مسألة العقوبات ضد إيران ومدى التزام لبنان ونظامه المصرفي بها، مسألة تنفيذ القرار الدولي رقم 1701، لا سيما في ما يخص أمن الحدود بين سوريا ولبنان. وأضافت المعلومات أن واشنطن تسعى لإقناع بيروت باتخاذ الإجراءات الكافية لضبط حركة حزب الله المنتظر انسحابه من سوريا قريبا. وتربط أوساط لبنانية بين ضغوط واشنطن على لبنان والزيارة التي يقوم بها باسيل إلى موسكو في 20 من الشهر الجاري لاستطلاع موقف روسيا والسعي للاحتماء بالموقف الروسي.

مشاركة :