A A عندما طيرت وكالات الأنباء العالمية ومواقع التواصل الاجتماعى مؤخرًا صورة رجل الأمن السعودي وهو يقدم حذاءه لحاجة مسنة تنتعل حذاءً من الكرتون في حرارة الشمس العالية حاليًا، مثمنة هذا الموقف، لم تكن في الحقيقة تضيف جديدًا، في ظل ما تحمله الذاكرة الجمعية على مستوى العالم من مشاهد لهذه الإنسانية المتحركة على الأرض في الحج، فضلاً عن أن هذا السلوك العفوي هو ديدن أكثر من 100 ألف آخرين يعملون في خدمة الحجيج على مدار الساعة. والحقيقة أن الجميع يغبط هؤلاء الرجال على صبرهم وعطائهم واللمسات الإنسانية التي يقدمونها للتيسير على ضيوف الرحمن، فما بيَّن مشهد لرجل أمن يساعد حاجًا لرمى الجمرات، وآخر يرش رذاذ المياه على الحجيج أثناء سيرهم حتى لا يشعروا بحرارة الأجواء وثالث يحمل مسنًا حتى يؤدي نسكه، تمضي المناسك في كل عام مؤكدة على القيم الإنسانية التي يحملها أبناء الوطن في خدمة الحجيج تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي تشهد المشاعر والمدينتين المقدستين في عهده طفرة غير مسبوقة في المشروعات لاستيعاب 30 مليون حاج ومعتمر في 2030، الحقيقة أن الأمن السعودي في الحج والذى يجمع بين التخطيط الدقيق واللمسات الإنسانية يعد نموذجًا عالميًا في إدارة الحشود التي تدرس في أكاديميات العالم الأمنية، وإذا كان الأمن في الكثير من الدول يجد صعوبة في إدارة آلاف معدودة لمشاهدة مباراة مدتها ساعتين، فان الأمر بكل تأكيد يصبح مثار تقدير وإعجاب الجميع لإدارة حشود تتجاوز المليونين في مساحة مكانية محدودة وتوقيت زمني واحد. إشادة الفيصل برجل الأمن ولاجدال على أن إشادة الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين ورئيس لجنة الحج المركزية بتصرف رجل الأمن تجاه الحاجة المسنة، كان لمسة تقديرية تجسد اهتمام المسؤولين بهذه الجوانب الإنسانية وإعلاء لقيم العطاء وإيثار الآخرين على النفس، والواقع أن هذا التفاعل السريع وفقًا لعلم النفس له اآثاره وانعكاساته الإيجابية بكل تأكيد على جميع العاملين في خدمة الحجيج سواء كانوا عسكريين أو مدنيين. دعوات وتقبيل للرؤوس وإذا كان الشيء بالشيء يذكر وجب القول إن موقف رجال الأمن المشغولين طوال الوقت بالتنظيم، ومساعدة الضعفاء على أداء نسكهم، يحظى بالتقدير والاحترام لدى ملايين الحجيج، الذين يبادرون هذا العطاء بتعبيرات لحظية إنسانية هي الأخرى سواء من خلال تقبيل رؤوسهم أو الدعاء لهم، والتأكيد على محورية دورهم في خدمة الحجيج على الصعيد الأمني والإنساني. ملحمة تترجم روح الإسلام ولا شك أن هذه الملحمة الإنسانية من العطاء هي ترجمة حقيقية لروح الإسلام الذي لم تأت تعاليمه لتكون مجرد عظات تسمو بالروحانيات في العلاقة مع الله فحسب، وإنما جاءت لتنظم العلاقات بين البشر مكرسة لروح العطاء حتى يسود التفاهم والألفة بين الجميع، ومن هذا المنطلق جعل الإسلام حب الخير للناس من دلائل اكتمال الإيمان ورسوخه في النفس، حيث يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخاري، إن هذا الاحتفاء السعودي بالحجيج ليس وليد اليوم بكل تأكيد، لأن ذاكرة الكثيرين تحفظ الوضع في الايام السابقة عندما كانت الأعداد محدودة، وكان الكثير من المطوفين يستقبلون الحجاج في بيوتهم، ويتقاسمون معهم الطعام والشراب، وعندما تزداد الأعداد عن مساحة الغرف، كان يتم الاستعانة بالسطوح لذات الغرض. نموذج للسلوك الرشيد وإذا كانت المملكة تحشد للحج على مدى 10 أشهر كاملة حتى يخرج الموسم ناجحًا بكل المقاييس من خلال التدابير الكفيلة بضمان انسيابية التحركات، فان المشاهد الإنسانية لعطاءات رجال الأمن في الحج تعد نموذجًا رفيع المستوى لما يجب أن تكون عليه تصرفات المسلمين في جميع أنحاء العالم وهنا يجب التأكيد على بعض الجوانب: 1- الإسلام يعزز من قيم العطاء والانفتاح على الآخر، يقول تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ(28) سورة الحج. 2- الإسلام بريء من إرهاب القتلة المجرمين، الذين لا يمثلون سوى أنفسهم فقط. 3- تصحيح القيم المغلوظة عن الإسلام مسؤولية الجميع من خلال الالتزام بقيم العمل والعطاء والأمانة وروح المسؤولية. 4- رجال الأمن السعودي يمثلون رسل سلام وإنسانية، يعلون من قيم العطاء والبذل، التي أدى الشح بها إلى غالبية أزمات العالم، ويكفي الإشارة هنا إلى أن الكثير من الشركات والدول الغنية تتخلص من فائض إنتاجها بوسيلة أو بأخرى حتى تبقى على المشهد مشحونًا بوجود أزمات لتحافظ على ارتفاع الأسعار وتزداد أرباحها على جثث الفقراء والمحرومين.
مشاركة :