أكد خبراء اقتصاديون، أن الاحتياطي الضخم البالغ 2.7 تريليون ريال يمثل ضمانة حقيقية لقدرة المملكة على تجاوز تراجع أسعار النفط في الوقت الراهن، مشيرين إلى أن مستوى العجز في ظل الأسعار الحالية 60 دولارا سيكون محدودا؛ ما يمكن الدولة من التغلب عليه عبر الاستعانة بالاحتياطي النقدي الكبير الذي تمتلكه المملكة حاليا، جراء الأسعار المرتفعة للنفط في السنوات الماضية. وبينوا في ندوة «عكاظ» حول الميزانية الجديدة لعام 2015، أن الإنفاق على القطاعات الخدمية «التعليم، الصحة، النقل»، هدف أعلى للدولة، وأن خيار الخصخصة من الخيارات الاستراتيجية البديلة في سبيل تنويع مصادر الدخل، والحد من الاعتماد على النفط بشكل تدريجي كمورد اقتصادي وحيد في رفد الميزانية بالايرادات للإنفاق على البنى التحتية، لافتين إلى أن المخاوف من انخفاض مستوى التخصيصات لتلك القطاعات ليست مبررة على الإطلاق؛ الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على بقاء مستوى المعيشة عند المستويات الحالية، منوهين أن المملكة بحكم ارتباط الريال بالدولار استفادت خلال الفترة الماضية من القوة الشرائية للعملة الخضراء مقابل العملتين الرئيسيتين «اليورو، الين»، وذلك بالرغم من تراجع الإيرادات الناجمة عن انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية خلال الأشهر الماضية، مطالبين بضرورة التركيز على تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتخفيف متطلبات الضمانات التي تفرض البنوك على تلك المنشآت؛ نظرا لأهمية هذا القطاع في الاقتصاد الوطني في خلق الوظائف والمساعدة على تكريس القاعدة الصناعية؛ لتنويع مصادر الدخل في المستقبل، منوهين أن الميزانية الجديدة تحدثت عن إيرادات تصل إلى 715 مليار ريال؛ ما يعزز السياسة المتحفظة لدى المملكة في تقييم مستويات أسعار النفط عند وضع الميزانية المقبلة، لافتين إلى أن حجم الإنفاق البالغ 860 مليار ريال يشكل عنصر أساس في سياسة السير قدما في المشاريع التنموية وتعزيز الاستراتيجية القائمة على استكمال البنى التحتية وكذلك استمرار الانفاق على الجهات الخدمية بمختلف مناطق المملكة. وأكد عضو الجمعية السعودية للاقتصاد الدكتور عبدالله المغلوث، أن انخفاض أسعار النفط لمستويات تقارب 60 دولارا للبرميل لن تؤثر على الميزانية المرصودة للمملكة، مشيرا إلى أن الميزانية ستركز على التوسع في المشاريع بنفس الوتيرة، التي شهدتها ميزانية عام 2014، لافتا إلى أن وزارة المالية أفصحت عن عزمها الاستمرار على الانفاق بذات الوتيرة على المشاريع التنموية والبنى التحتية، مضيفا أن الميزانية على غرار الميزانيات السابقة ستضع في اعتبارها الإنفاق الكبير على القطاعات الخدمية، التي تصب في مصلحة المواطن بالدرجة الأولى، على غرار تخصيص مبالغ كبيرة للصحة، التعليم، الخدمات الاجتماعية، باعتبارها محاور أساس في جميع الميزانيات السابقة. قاعدة البتروكيماويات العالمية وأشار المغلوث، إلى أن المخاوف من تأثر المملكة من تراجع أسعار النفط قد تكون مبررة لدى الكثير من المحللين والمواطنين على حد سواء، خصوصا أن إيرادات الدولة تعتمد على النفط كمصدر وحيد في عمليات الإنفاق، لافتا إلى أن المملكة استفادت كثيرا من الارتفاعات الكبيرة لأسعار النفط في السنوات الماضية، حيث وصلت في بعض المراحل لأكثر من 150 دولارا للبرميل، فيما كانت الأسعار خلال الأشهر الأولى من عام 2014 عند حدود 90 إلى 100 دولار، مبينا أن المملكة تمتلك احتياطيا نقديا يفوق تريليونين و700 مليار ريال؛ الأمر الذي يجعل المملكة في مكان أمن يجعلها قادرة على تجاوز الظرف المؤقت والمتمثل في تراجع أسعار النفط في السوق العالمية. وقال المغلوث: المملكة تربض على احتياطي من الذهب؛ ما يحول دون حدوث هزات اقتصادية تطال الاقتصاد الوطني، فضلا عن ذلك فإن المملكة استطاعت خلال العقود الماضية من تأسيس قاعدة صناعية عالمية في مجال البتروكيماويات، جراء استخدام الميزة النسبية بالمملكة لتطوير هذه الصناعة؛ الأمر الذي جعلها لاعبا كبيرا على المستوى العالمي في صناعة البتروكيماويات، بحيث تصدر الأكبر من الإنتاج للأسواق العالمية. واعتبر المغلوث، خيار الخصخصة من الخيارات الاستراتيجية البديلة في سبيل تنويع مصادر الدخل، والحد من الاعتماد على النفط بشكل تدريجي كمورد اقتصادي وحيد في رفد الميزانية بالإيرادات للإنفاق على البنى التحتية، لافتا إلى أن الدولة تمتلك بعض القطاعات التي تشكل عبئا اقتصاديا عليها؛ ما يدفعها لبيعها على القطاع الخاص أو الشراكة مع القطاع الخاص؛ الأمر الذي يرفع عنها جزءا من الإنفاق على تلك القطاعات، مؤكدا أن القطاع الخاص سيلعب دورا كبيرا في تطوير تلك القطاعات الحكومية في حال الخصخصة، وبالتالي زيادة الفرص الوظيفية، مضيفا أن الدولة مطالبة بضرورة إعادة النظر في وضع رسوم على الخدمات والعقار عملا بمقترح صندوق النقد الدولي، الذي حث الدول الخليجية على ذلك تجنبا للإخفاق في أسعار النفط، مطالبا بضرورة وضع تلك الاقتراحات في الاعتبار في المرحلة المقبلة، مشددا على ضرورة ربط الرسوم بتقديم الخدمات للمواطن وليس فرض الرسوم دون تقديم خدمات مميزة لقاء تحصيل تلك الرسوم، مفيدا أن الصناعة التحويلية والصناعات الثقيلة ستعلب دورا كبيرا في تجاوز أي محنة؛ الأمر الذي يستدعي السير قدما في الخيار الاستراتيجي باعتباره عنصرا حيويا في تنويع مصادر الدخل في الاقتصاد الوطني. تعظيم الاحتياطي النقدي بدوره، أكد أستاذ المالية والاقتصاد بجامعة البترول والمعادن السابق الدكتور إبراهيم القحطاني، أن هناك توقعات متفائلة وأخرى متشائمة بشأن أسعار النفط في الأسواق العالمية، خلال الربع الأول من عام 2015، إذ أن النظرة المتفائلة تتحدث عن تجاوز سعر البرميل لأكثر من 70 دولارا مع نهاية الربع الأول للعام المقبل، مشيرا إلى أن النظرة المتشائمة لأسعار النفط ترشح مزيدا من التدهور للوصول إلى 40 دولارا للبرميل للفترة ذاتها، مبينا أن المملكة تواجه تحديا كبيرا في الوقت الراهن جراء تراجع أسعار النفط؛ الأمر الذي ساهم في انخفاض الإيرادات بشكل، بيد أن الجانب الإيجابي يتمثل في تحسن القوة الشرائية للدولار مقابل العملتين الرئيسيتين اليورو، الين خلال الفترة الماضية، مضيفا أن المملكة تمتلك احتياطيات مالية ضخمة جراء الأسعار المرتفعة للنفط في السنوات الماضية، حيث عمدت المملكة لتعظيم الاحتياطي في سبيل التحوط لمثل هذه الظروف، لاسيما أن عملية استمرارية الموجة التصاعدية للنفط أمر صعب مع التقلبات الاقتصادية، والعرض والطلب في السوق النفطية، بمعنى آخر فإن المملكة وضعت في اعتبارها مثل هذه الظروف؛ ما يجعلها تتحفظ كثيرا في تقييم الأسعار خلال وضع التقديرات في الميزانيات السنوية. التركيز على المنشآت الصغيرة ويرى القحطاني، أن المملكة تواجه تحديا كبيرا في المرحلة المقبلة، وذلك التحدي يتمثل في المحافظة على المكتسبات الاحتياطية من النقد باعتبارها الحل الوحيد لاستمرار التنمية، مضيفا أن عملية الإنفاق دون محاولة استثمار تلك الاحتياطيات الضخمة الموجودة في خزينة الدولة حاليا يشكل مشكلة حقيقة، خصوصا أن المملكة تمتلك تجربة خلال حقبة التسعينيات، حينما شكلت أسعار النفط المتدنية عاملا في اللجوء للاقتراض؛ بهدف سجل العجز الناجم عن ضعف الإيرادات النقدية، مشيرا إلى أن الأحاديث تدور حاليا حول أن عملية الإنفاق خلال عام 2015 لن تتغير كثيرا عن حجم ونوعية الإنفاق خلال 2014، لاسيما أن هناك التزامات كثيرة على الدولة في الميزانية الجديدة، وتتمثل في الإنفاق على الصيانة والتشغيل على المشاريع التي أنجزت في العام الماضي، وبالتالي فإن هناك تخصصات كبيرة ستذهب لهذه المشاريع في سبيل المحافظة عليها باعتبارها مكاسب وطنية لخدمة الاقتصاد الوطني. وذكر القحطاني، أن الصناعة كخيار استراتيجي ليس جديدا، فالمملكة طرحت الصناعة كخيار منذ حقبة السبعينيات من القرن الماضي، فقد تم التركيز على مناطق صناعية «ينبع، الجبيل»، والتركيز على سابك بشكل خاص، كما تم خلال العقود الماضية تقديم تسهيلات كبيرة للصناعة الوطنية، مشيرا إلى أن المملكة لم تمتلك رؤية واضحة فيما يتعلق بالاستراتيجية الصناعية، خصوصا في ظل الاختلاف بشأن الآلية المتبعة لخلق صناعة وطنية، فهناك فكرتان، تتحدث الأولى عن التركيز على الصناعات الضخمة، ومنها تتولد صناعات صغيرة، فيما تتلخص الثانية في التركيز على الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومنها تنبثق صناعات كبيرة. وقال القحطاني: «المملكة ركزت فعليا على الصناعات الضخمة على أمل تولد صناعات صغيرة ومتوسطة، بيد أن النجاحات المسجلة متواضعة؛ الأمر الذي ساهم في بقاء الناتج المحلي للقطاع الصناعي، وعدم تسجيل زيادة أو نموا خلال السنوات الماضية»، مشيرا إلى أن الخيار الصناعي لم يكن بالمستوى المأمول؛ نظرا لغياب التركيز على الصناعات الصغيرة والمتوسطة سواء من ناحية التمويل والاحتضان، لافتا إلى أن فكرة «صندوق التنمية الصناعية» ما زالت قائمة، التي تعتمد على توفير ضمانات ضخمة يصعب تحقيقها باستثناء أصحاب رؤوس الأموال الضخمة والصناعات الضخمة. موجة تصاعدية تدريجية وأكد أستاذ المالية والاقتصاد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور علي العلق بقوله: «إيرادات خزينة الدولة ستتراجع جزئيا، حيث فقد النفط جزءا كبيرا من القيمة السوقية خلال الأشهر القليلة الماضية»، لافتا إلى أن الدولة ستعمد للاحتياطي النقدي لتعويض العجز الحاصل في الإيرادات المتوقعة ضمن ميزانية العام المقبل، مبينا أن أسعار النفط في السوق العالمية آخذة نحو الاستقرار النسبي خلال الفترة الحالية، حيث بقيت عند مستوى 60 دولارا للبرميل، متوقعا أن يشكل استقرار أسعار النفظ عند المستوى الحالي عجزا بسيطا، خصوصا أن الوصول إلى المستويات في ميزانية عام 2014 يتطلب أن يصل سعر البرميل إلى 80 دولارا تقريبا، مشيرا إلى أن المملكة قادرة على الوفاء بالتزاماتها في عملية الإنفاق خلال السنة المقبلة، لاسيما بالنسبة للمشاريع التنموية الضخمة التي تعتزم الشروع فيها وفق الخطة الزمنية المرسومة، مرجعا ذلك لامتلاكها احتياطيا نقديا خارجيا كبيرا يتراوح بين 675 إلى 700 مليار دولار؛ ما يجعل المملكة قادرة على التغلب على الصعوبات المتمثلة في انخفاض سعر النفط، وبالتالي تدني الإيرادات المتوقعة خلال العام المقبل، متوقعا أن تعاود أسعار النفط التعافي في العام المقبل، حيث سينهض الاقتصاد العالمي مجددا، وبالتالي عودة الطلب العالمي على النفط؛ ما يمهد الطريق أمام موجة تصاعدية تدريجية للأسعار وبالتالي فإن الارتفاع يصب في مصلحة خزينة الدولة في عملية الإنفاق الحكومي على المشاريع التنموية والخدمية الكبيرة في مختلف مناطق المملكة. بدائل المصدر الأحادي وأضاف الدكتور العلق قائلا: «النفط لا يزال المصدر الوحيد لتمويل الميزانية والنفقات، بيد أن هناك تحركات جادة لتنويع مصادر الدخل، وتنويع مصادر الاقتصاد الوطني»، مشيرا إلى أن المملكة قادرة على التقليل من الاعتماد على النفط كمصدر أحادي للاقتصاد في حال توافرت العزيمة القوية والتخطيط الاستراتيجي المناسب، فضلا عن الإرادة الجادة، لافتا إلى وجود اقتصاديات عالمية لا تمتلك موارد نفطية أو طبيعية استطاعت بناء اقتصاديات قوية، فضلا عن تحقيق نمو اقتصادي متزايد، مشددا على ضرورة توجيه النفقات الحكومية باتجاه تنويع مصادر الدخل باعتبارها الطريق الأمثل لتقوية الاقتصاد عوضا عن الاعتماد التام على النفط كمصدر أساس في الإيرادات، مبينا أن الإنفاق على البنى التحتية يمثل مدخلا أساسيا في الوصول إلى خيارات عديدة لتنويع مصادر الدخل الوطني في المستقبل. واختتم حديثه قائلا: «الإنفاق الحكومي يمثل عنصر حيويا في الناتج المحلي، كما أن استمرار الدولة في عملية الإنفاق بذات الوتيرة على المشاريع التنموية، بالرغم من انخفاض أسعار النفط خلال الأشهر الماضية لن يخلق مشاكل كبيرة بالنسبة لمستوى المعيشة لدى المواطن بالمملكة». وطالب العلق وزارة التجارة والصناعة بزيادة مستوى الرقابة على أسعار السلع على اختلافها؛ بهدف السيطرة على مستوى التضخم، مستبعدا تراجع أسعار السلع في الأسواق المحلية، مبينا أن أسعار السلع الاستهلاكية والكمالية وغيرها تسجل ارتفاعات كبيرة تبعا لزيادة التكلفة الإنتاجية، متوقعا أن تشهد أسعار السلع خلال الفترة المقبلة استقرارا أو ميلا نحو الاستقرار بشكل عام، فيما يصعب أن تشهد تراجعا جراء غياب المنافسة الحقيقية؛ ما ينعكس بصورة مباشرة على الأسعار بالنسبة للمستهلك.
مشاركة :