شادي شاهر البورنو يتعين على صناع السياسات الآن الإجابة عن العديد من الاستفسارات حول نوع النظام الضريبي الذي سيتم فرضه، وحجم الضرائب المطبقة، والجدول الزمني للتطبيق، وكذلك التوافق مع أطر العمل التشريعية في منطقة مجلس التعاون. لطالما شكل اعتماد الضرائب كمورد بديل لدعم الإيرادات الحكومية مسألةً صعبةً ومعقدة للغاية بالنسبة لصناع السياسة في المنطقة، ولا سيما بعد إرساء جميع البلدان لبيئات معفاة من الضرائب كأحد العوامل الرئيسية لاستقطاب الشركات والمهنيين الأجانب. إلا أنه بالتوازي مع نمو المنطقة وتوجه اقتصاداتها نحو التخلي التدريجي عن النفط كأحد مصادر التمويل الرئيسية، يعتبر النظام الضريبي الشامل عاملاً جوهرياً لإفساح المجال أمام الحكومات للحصول على مصادر دخل بديلة أكثر استدامةً لرفد الميزانيات. علاوةً على ذلك، أسهم النمو الشامل، ولا سيما التطور الذي شهدته البنية التحتية على مدى الأعوام ال15 الماضية، في تحسين مستوى ونوعية الوصول إلى الخدمات والمرافق العامة في المنطقة. ويتعين على صناع السياسات الآن الإجابة عن العديد من الاستفسارات حول نوع النظام الضريبي الذي سيتم فرضه، وحجم الضرائب المطبقة، والجدول الزمني للتطبيق، وكذلك التوافق مع أطر العمل التشريعية ضمن مختلف أرجاء منطقة مجلس التعاون؛ حيث ستشتمل البنية التحتية لإرساء إطار عمل ضريبي شامل على بناء القدرات المؤسسية على المستوى الحكومي، وضمان إدراك مختلف أصحاب المصلحة في الاقتصاد لأهداف الضرائب وما تنطوي عليه. كما تشكل إدارة الضرائب ووضع آليات جباية فاعلة من الجوانب المهمة الأخرى لإرساء أطر ضريبية جديدة وتشريعات مناسبة. ومن جهة ثانية، فإن النهج الأمثل والأكثر ترجيحاً سيتمثل باعتماد معدلات ضريبية منخفضة تتم إدارتها على قاعدة واسعة النطاق. كما ينبغي أن يتمحور هدفها حول ابتكار نموذج ضريبي لا يقف عائقاً في طريق التنويع الاقتصادي، ويتسم بسهولة إدارته ضمن اقتصاد لا يزال نظامه الضريبي في مراحل تطوره الأولى. وبشكل عام، هناك نوعان من النظم الضريبية المتوافرة: المباشرة وغير المباشرة، وتستهدف الأولى الدخل سواء كان عائداً للفرد أو المؤسسات، وتُعرف اصطلاحاً باسم ضريبة الدخل الفردي أو ضرائب دخل الشركات. وتشتمل الضرائب المباشرة أيضاً على ما يمكن وصفه بمصطلح الريع الاقتصادي، أي بمعنى الضرائب على الممتلكات وضرائب الثروة المعدنية. وعلى الجانب الآخر، تعد الضرائب غير المباشرة الأوسع نطاقاً ويتم تطبيقها على معدلات الاستهلاك، مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة المبيعات الحكومية. وتكتسب ضريبة القيمة المضافة شعبيةً أكبر لدى الحكومات وصناع السياسات على المستوى العالمي، في حين لا تزال الضرائب المباشرة تشكل الدعامة الرئيسية للعديد من الأنظمة الضريبية حول العالم، وهي تعتبر نموذجاً أكثر صعوبةً من حيث الإدارة والجدل القائم عموماً حول ارتباطها بعامل التشجيع على الاستثمارات. وعلى صعيد اختيار الضرائب القابلة للتطبيق، تعد ضرائب القيمة المضافة باعتقادنا النموذج الأكثر منطقية وفاعلية بالنسبة للحكومات التي تشهد ولادة أنظمة ضريبية جديدة. ويعزى ذلك إلى أن ضريبة القيمة المضافة لا تغير في طبيعة الاستثمارات، ما يشكل أمراً حيوياً في هذه المرحلة التي تعتزم حكومات المنطقة خلالها تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي، ووضع الاستراتيجيات الكفيلة باستقطاب استثمارات القطاع الخاص وتوفير فرص عمل جديدة. من وجهة نظرٍ إدارية، تتسم عمليات التطبيق والجباية المتعلقة بضريبة القيمة المضافة بأنها أقل تعقيداً وأكثر كفاءةً وقدرة على توليد العائدات. ووفقاً ل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تبلغ قيمة ضريبة القيمة المضافة نحو 20% من إيرادات الضرائب، مقابل 9% لضريبة الدخل على الشركات (بحسب تقديرات عام 2012). وتبقى نماذج أخرى من النظم الضريبية المباشرة مثل ضريبة الدخل على الشركات خياراً مطروحاً بطبيعة الحال. ولكن باعتقادنا، فإن الآثار السلبية لتطبيق هذه الضرائب تفوق مزاياها بشكل كبير. وعلى سبيل المثال، قد تشكل ضرائب دخل الشركات عائقاً أمام انتقال الشركات الجديدة للعمل في منطقة لا تزال توفر مزايا الإعفاءات الضريبية. ومن المرجح أن يفضي ذلك إلى تباطؤ الاقتصاد بشكل واسع نظراً لعدم تشجيع الاستثمارات الجديدة، وتضييق النطاق أمام توفير فرص عمل جديدة، وتقليص النمو الاقتصادي على المدى الطويل. وإضافةً لذلك، شهدت المنطقة تأسيس العديد من المناطق المعفاة من الضرائب بما يضمن إعفاءات ضريبية طويلة الأمد للشركات، ما يقلل فرص اعتماد تطبيق هذا النوع من الضرائب. لا شك بأن صياغة نماذج ضريبية أكثر ديناميكية في دول الخليج العربي تعد خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، ويكمن السبيل إلى ذلك في اعتماد نهج ضريبي مدروس يتم تطبيقه تدريجياً على نطاق واسع وبمعدلات ضريبية منخفضة لتعزيز الفعالية. وتشكل العوامل الجاذبة التي توفرها الضرائب المنخفضة أو الإعفاءات الضريبية بالنسبة لمعظم المؤسسات والشركات في المنطقة حافزاً رئيسياً لاستثمارات القطاع الخاص غير النفطية. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، تتراوح نسب العائدات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي في دول الخليج العربي بين 0.6% في البحرين إلى 2.8% في سلطنة عمان. ولكن نظراً للظروف الاقتصادية الراهنة التي يحكمها تراجع أسعار النفط، فمن الضروري أن يبدأ صناع القرار في المنطقة باعتماد إجراءات جديدة من شأنها تنويع مصادر الإيرادات لتصبح أكثر استدامة على المدى الطويل. *رئيس الاستراتيجيات الاقتصادية للأسواق العالمية والخزينة في بنك الإمارات دبي الوطني
مشاركة :