بعد خروجها أخيراً من قائمة الدول المتخلفة عن الالتزام بشروط منطقة اليورو، ترى فرنسا العجز في موازنتها على وشك ملامسة عتبة 3 في المئة العام المقبل، ما سيثير استياء بروكسيل التي تنظر بقلق إلى تقاعس باريس عن خفض ديونها. ولا تزال رسالة الاتحاد الأوروبي هي ذاتها، إذ ذكر المفوض بيار موسكوفيسي قبل عرض موازنة 2019 في وزارة المال الفرنسية، أن «من المهم ليس من أجل القواعد فحسب، بل من أجل رمزية الأمر، أن تبقى فرنسا دون نسبة 3 في المئة». وسعى وزير المال الفرنسي برونو لومير إلى الطمأنة، فقال إن «تصحيح الحسابات العامة غير قابل للتفاوض، لأنه أمر جيد للفرنسيين لفرنسا ولأوروبا». وبعدما خرجت فرنسا رسمياً نهاية حزيران (يونيو) الماضي من الآلية التي باشرتها بحقها المفوضية الأوروبية عام 2009 بسبب العجز الطائل في موازنتها، يُتوقع بحسب أرقام وزارة المال أن تسجل عجزاً نسبته 2.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الحالي، و2.8 في المئة عام 2019. ولكن تراجع النمو بنسبة تفوق التوقعات العام المقبل، قد يجعل فرنسا تتخطى الحد الذي تسمح به بروكسيل والبالغ 3 في المئة من العجز. واستبعد الخبير الاقتصادي لدى شركة «أوستروم آ أم» فيليب فيشتر أن يتبنى الاتحاد الأوروبي موقفاً متشدداً حيال فرنسا. وقال لوكالة «فرانس برس» إن «بروكسيل ستبدي استياءها مهما حصل، لكن من دون مباشرة أي إجراء، أياً كان»، وهو على ثقة بأن الاتحاد الأوروبي لديه مشاغل أخرى، لا سيما مع صعود التيارات الشعبوية. وأضاف أن «الأمر لن يذهب أبعد من ذلك، لأن في أوروبا مشاكل أخرى غير فرنسا، ومسائل سياسية مثل المجر، لا يمكن مقارنتها بمعرفة ما إذا كانت الموازنة ستحترم الوعود التي قطعت». وسيتم تحويل الإعفاءات الضريبية للمنافسة والوظائف في موازنة 2019 إلى تخفيضات ثابتة للمساهمات الاجتماعية، ما يعني أن الدولة ستتحمل التعويض عن التخفيضات الضريبية لعام 2018 وعن خفض المساهمات لعام 2019، ما سينعكس بنسبة 0.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وقال موسكوفيسي: «سيكون هذا على الأرجح ما يعرف بلغة بروكسيل بعبارة دفعة واحدة لمرة». وإن كانت فرنسا خرجت من آلية العجز الطائل في الموازنة، إلا أنها تبقى ملزمة بواجبات، فعلى موازنتها أن تستوفي قواعد أكثر صرامة من مجرد عتبة 3 في المئة من العجز، منها الحد من العجز الهيكلي، أي العجز خارج مفاعيل النمو. وشدد على «ضرورة بذل جهد هيكلي كبير»، متوقعاً من باريس خفض الدين الذي يقارب 100 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وحذر فيشتر من خفض العجز في المالية الفرنسية عبر «النمو» وليس عبر خفض الديون العامة. وقال: «نرى أنه عندما يتوقف النمو عن التسارع، لا يحصل أمر يذكر، وهذا يعني أن السياسة الاقتصادية خلف ذلك تفتقر إلى حد ما إلى الفاعلية». وعلى سبيل المثال، فإن العجز الفرنسي سيتخطى خلال العام الحالي 2.3 في المئة المتوقعة في برنامج الاستقرار المالي الذي أرسلته الحكومة إلى بروكسيل في نيسان (أبريل) الماضي، نتيجة خفض توقعات النمو إلى «نحو 1.7 في المئة»، بحسب أرقام برونو لومير، مقارنة بـ2 في المئة كانت متوقعة في الربيع. وقالت الرئيسة الجديدة لقسم الاقتصاد في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لورانس بون: «على صعيد النفقات العامة، لم نر حتى الآن ماذا ستفعل فرنسا، وتوصياتنا تقضي بإعطاء الأولوية للنفقات والتثبت من أنها تتجه نحو الاستثمار». وأضافت: «إذا خفضنا كتلة إيرادات الدولة من خلال خفض الضرائب، مثل الإلغاء التدريجي لضريبة السكن، فسيتحتم التدقيق في الأولويات على صعيد النفقات العامة، لأننا لسنا من الأفضل أداء في منطقة اليورو».
مشاركة :