التخصُّص قولبة للعقل وليس حافزًا له - إبراهيم البليهي

  • 1/4/2015
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

هذا المقال جزءٌ من بحث عن الذين تخرجوا مهندسين أو في الرياضيات التي هي أساس الهندسة لكنهم هجروا المجال الذي درسوه وأبدعوا أو استغرق تفكيرهم ونشاطهم في مجالات مختلفة ومتنوعة سواء كانت إبداعية أو نكوصية إننا حين نتحدث عن الذين تخرجوا مهندسين وانصرفوا عن تخصصهم الدراسي واستغرقوا في مجالات اهتماماتهم التلقائية العميقة سوف يحضر بقوة اسم مهندس الكهرباء جوزيف موريس جوران الذي لم يشتهر باكتشافات أو إنجازات في مجال الكهرباء الذي تخصص فيه ولكنه اشتهر في إنجازات تدخل ضمن تخصص الإدارة والقيادة وقد تجاهله الغرب جيلاً كاملاً ولكن انتبه لأهميته اليابانيون فاستفادوا منه أعظم فائدة وهذا هو شأن كل الرواد فابن رشد رفَضَه قومه ولكن أوربا استفادت منه فكان بداية إشراق العقل الأوربي الحديث ومثله الرازي وابن الهيثم وابن النفيس وغيرهم من الرواد الذين بقوا عندنا خارج النسق الثقافي فنفتهم البيئة وتعاملتْ معهم كنوابت ضارة. إن جوران قد التقط فكرة أو قانون أو مبدأ (80/20) الذي اكتشفه باريتو وتوصَّل منه إلى (ثورة الجودة) وقد وضع للمبدأ مفهومًا مرادفًا أو مفسِّرًا هو (القلَّة الفعالة) وهو مفهومٌ يختلف عن مفهوم القلة المبدعة عند توينبي وعن مفهوم النخبة أو الصفوة عند باريتو يقول عنه ريتشارد كوتش في كتابه (مبدأ 80/20): ((جوران بدأ كمهندس ثم بات واحدًا من خبراء الجودة المعدودين في العالم وقد تلخَّصَتْ فكرته العظيمة في استثمار مبدأ 80/20 بالإضافة إلى بعض الطرق الاحصائية الأخرى في اكتشاف أخطاء الجودة والارتقاء بمستوى البضائع)) ويقول كوتش: حين ((ظَهَرَ كتابُ جوران (التحكم في الجودة) أحدث ثورةً في هذا المجال)) وقد كان احتفاؤه بمبدأ باريتو (80/20) احتفاء عظيمًا فهو الذي ألهمه وفَتَحَ أمامه الآفاق فالإبداع مصْدره الأفكار الخلاقة وليست المعلومات الرتيبة بل إن المعلومات قد توهم بالاكتفاء فيتجمَّد بها العقل. صدر كتاب جوران عام 1951 وكانت الشركات الصناعية في أمريكا وأوربا تشعر بالتفوق والثقة والأمان فلم تكن تحسُّ بوجود منافس يحفزها إلى الاهتمام الخلاق وإنما كانت مطمئنة لتفوقها فلم يلتفت كما يقول كوتش: ((أحدٌ من رجال الصناعة الأمريكية إلى نظريات جوران وفي عام 1953 تلقى جوران دعوة للمحاضرة في اليابان حيث قوبل هناك باهتمام الجمهور فبقي للعمل مع العديد من الشركات اليابانية للارتقاء بقيمة البضائع وجودتها وهنا بدأت اليابان للمرة الأولى كمنافس يهدد الصناعة الأمريكية فبدأ الغرب ينظر إلى جوران بعين الاعتبار ثم انتقل جوران إلى الولايات المتحدة ليؤدي نفس المهمة التي اضطلع بها في اليابان والتي احتل فيها مبدأ 80/20 قلب الثورة التي قادها عن الجودة الكلية)). وهكذا نرى أن قانون 80/20 الذي اكتشفه باريتو قد ألهم مهندس الكهرباء جوزيف جوران بما أصبح يُعرف باسم (ثورة حركة الجودة) فانتقل من تخصصه إلى مجال الإدارة الذي هو مجال اهتمامه التلقائي القوي المستغرق يقول ريتشاد كوتش في كتابه (مبدأ 80/20): ((ثورة الجودة كانت تقف وراء السعي لبلوغ أرقى مستوى للمعيشة في مختلف أنحاء العالم.. كان رائدا الحركة جوزيف جوران وإردوارد ديمينج.. وقد كان أحدهما مهندس كهرباء والآخر رجل إحصاء وقد دأب كلاهما بالتساوي على تطوير أفكارهما)) ثم يوضح كوتش أن هذه الثورة لم تجد عند ظهورها استجابة: ((إلا من جانب اليابان حيث انتقل إليها كل من جوران وديمينج في أوائل الخمسينيات وقد نهض عملهما الرائد في الاقتصاد الياباني الذي كان يُطلق عليه في ذلك الوقت (التقليد الرخيص) وحوَّله إلى اقتصاد قوي يتمتع بالانتاجية الغزيرة والجودة العالية)) بادرت اليابان إلى الاستجابة لثورة الجودة لأنها كانت تعاني من رداءة المنتَج وكانت تبحث عن سبيل ينقلها من مستوى التقليد إلى مستوى الإبداع فأسعفتها هذه الثورة الإدارية بما كانت تسعى لتحقيقه هكذا لاتأتي الاستجابة للرواد إلا من المجتمعات التي لاتتوهم الكمال والاكتفاء بل تشعر بالنقص وتحس بالقصور وتبحث عن مخرج ناجع. ويقول ريتشارد كوتش: ((ولم تلتفت أمريكا وغيرها من الدول الغربية باهتمام إلى حركة الجودة إلا بعد أنْ غزتها المنتجات اليابانية.. ومنذ عام 1970 شرع جوران وديمينج وتلاميذهما بقيادة تحول ناجح للنهوض بمستوى المنتجات الغربية وقد بلغوا في ذلك أعلى مستويات التطور واستمرارية الجودة وأدنى هامش خطأ وأعلى انخفاض في التكلفة الصناعية)) هكذا كان الشعور بالأمان معطِّلا للتفكير الريادي وسببًا في الجمود والعطالة إن توهُّم الكمال والشعور بالاكتفاء من أخطر عوامل الكلال والتخلف كما تفعل الألقاب المخدِّرة. ويقول ريتشارد كوتش: ((وقد مثَّل مبدأ 80/20 واحدًا من الدعامات الأساسية لحركة الجودة وكان جوران أكثر الرواد المتحمسين لهذا المبدأ..)) يستهدف المبدأ تحقيق مزيد من الإنجاز بأقل القليل من الجهد وهو يؤكد أن أعظم النتائج والعائدات تنبع من عدد ضئيل من الأسباب والمعطيات والجهد إن مبدأ 80/20 قد قاد إلى فتوحات علمية وفكرية وعملية باهرة ولكن رغم أهميته العظيمة فإنه كما يقول كوتش: ((ظل خامدًا على مدى جيل ثم بدأ بعض رجال الاقتصاد يدركون أهميته حتى ظهر اثنان من القادة في آن واحد عمل كلٌّ منهما على حدة لتطوير مبدأ 80/20)) وهو يشير بهذا إلى عالم اللغة جوزيف زيف ومهندس الكهرباء جوزيف جوران.. وهنا يجب التوقف أمام الأربعة الذين قادوا ثورة تطور الانتاج في العالم فبأفكارهم تحققت غزارة الإنتاج وجودته وتقليل الأخطاء وتخفيض التكاليف وإشعال روح الملاحظة والفطنة والانتباه للعوامل الخفية المؤثرات غير المنظورة وإدراك المفقود من الجهد والتمييز بين العوامل المنتجة والعوامل الأقل فاعلية وكذلك عوامل الهدر.. فباريتو في الأصل مهندس إنشاءات أي أن تخصصه يتعلق بالمباني والطرق وشبكات المياه وغير ذلك من الأعمال الإنشائية لكن اهتماماته التلقائية دفعته إلى مجالات شديدة الاختلاف والتنوع فأنجز في مجالات اهتمامه إنجازات باهرة وخالدة. أما جوزيف زيف فعالم في اللغة وأستاذ في جامعة هارفرد ولكنه بعيدًا عن اللغة اكتشف ما عُرف باسم (مبدأ زيف) وهو مبدأ مشتق من مبدأ 80/20 لباريتو ينص مبدأ زيف كما يقول كوتش: ((على أن الموارد أي البشر والبضائع والوقت والمهارات وأية عناصر أخرى من عناصر الإنتاج تسعى للتنسيق للوصول إلى الحد الأدنى من العمل فتتمكن 20% من الموارد من تحقيق 80% من كم الجهد المتوقع من المورد)) وهو بهذا يتفق مع النتيجة التي توصَّل إليها باريتو وهنا يلتقي عالم لغة بمهندس كهرباء في عمل ريادي لا علاقة له بتخصص أي منهما. وأما جوزيف موريس جوران فهو في الأصل مهندس كهرباء لكن فطنته واهتمامه القوي المستغرق قد ارتقيا به إلى مستوى القيادة في مجالات الإدارة والإنتاج والاقتصاد.. وأما وليم ادوارد ديمينج الذي سبقت الإشارة إليه في نص سابق لكوتش وَوَصَفَه بأنه (رجل إحصاء) طبقًا لمجال اهتمامه لكنه أيضا متخصِّص في الهندسة الكهربائية من جامعة وومنج لكن اهتمامه التلقائي قد أخَذَه إلى مجال الإحصاء والعناية بجودة الانتاج لذلك يقول عنه الدكتور عبد اللطيف الصديقي في كتابه (أعلام الفكر الإحصائي): ((يُطلق على ديمينج الرجل الذي أعاد صياغة الصناعة في اليابان فقد تأثر اليابانيون بديمينج لدرجة أن الاتحاد الياباني للعلماء عيَّن جائزة تحمل اسم ديمينج تُمنح سنويا لتشجيع التطور في الأساليب الجديدة والفعالة لمراقبة الجودة في الصناعة اليابانية)) وتحتفي بذكراه سنويا وزارة التعليم في اليابان ومَنَحَه الامبراطور الياباني ميدالية تقديرًا لدوره العظيم المشهود في تحسين النوعية الانتاجية وتطوير الاقتصاد الياباني ويتم التعريف به بأنه من أبرز أعلام الفكر الإحصائي ومن أشهر قادة أفكار الجودة ويجري إغفال تخصصه في هندسة الكهرباء فهو حَدَثٌ عابر في حياته وقد احتفت به الجمعيات العلمية وحصل على ميداليات من الرابطة الأمريكية للإدارة ومن الأكاديمية الوطنية للهندسة كما منحه الرئيس الأمريكي رونالد ريغان الميدالية الوطنية للتكنولوجيا ومنحته جامعات مختلفة أكثر من عشرين شهادة دكتوراه فخرية في مجالات متنوعة. ومن الأفكار الإدارية والقيادية المهمة التي أكد عليها وليم إدوارد ديمينج ضرورة المراجعة المستمرة للمعايير والمقاييس المعتمدة للعمل لئلا تتجمد بها الأفكار والأساليب ويتراجع الانتاج فهو يرى أن المتخصصين والخبراء يبقون جامدين يحرسون هذه المعايير فتصبح عائقة للأداء ومعطلة للإنتاج ومانعة للتطور فالأصل في السلوك البشري هو الانتظام على ما اعتاده الإنسان فالعادة آسرة ما لم يتم كسرها ومن هنا تأتي ضرورة ظهور رواد بين فترة وأخرى لكسر الجمود التلقائي. ومن وقائع حياة هؤلاء الرواد الأربعة نرى كيف أن الشعور بالأمان وغياب المنافس القوي وتوهُّم الكمال والشعور بالاكتفاء يؤدي إلى خمود الإحساس باليقظة والحذر فيكتفي الإنسان بما هو متحقق ويستمر منتظما بما تآلف معه حتى تأتيه هزة مزلزلة يُفيق بها من جموده فالشركات الغربية لم تلتفت لأفكار ثورة الجودة إلا بعد أن اضطرت إلى ذلك حين غزتها المنتجات المتطورة من اليابان بعد أن كانت مطمئنة إلى أن اليابان لن تتجاوز مرحلة التقليد الركيك الذي لا ينافس منتجات الغرب الأصلية لكن الشركات الغربية فوجئتْ بالتقدم الياباني السريع بانتقالها من مرحلة التقليد إلى مرحلة التطوير والتجويد وبذلك وثبت إلى مستوى القدرة على المنافسة الحقيقية فتحركت الشركات الغربية لمواجهة المنافسة القوية الطارئة والتفتت إلى ثورة الجودة التي كانت قد تجاهلتها.. كما أن عدم التفات الشركات الغربية لأفكار الجودة الثورية فترة طويلة يدل على أن الأصل في السلوك البشري هو الانتظام في السائد والرفض التلقائي لريادات التغيير.. فرغم أنها شركات حديثة قامت على أفكار حديثة ومع ذلك أهملت الأفكار الريادية حتى اضطرت إلى أن تلتفت إليها وتأخذ بها وتتحمس لها.. كما يؤخذ من حياة هؤلاء الرواد الأربعة أن الفكر الخلاق ليس مقيَّدًا بتخصُّص دراسي وإنما هو خروجٌ على التخصص وكسرٌ للقيود وانطلاقٌ في الآفاق المفتوحة واستخدامٌ ظافرٌ للخيال الخلاق والملاحظات الخارقة إنه ثمرة الفطنة والملاحظة والإهتمام القوي المستغرق فيصبح الرائد معروفًا بمجال اهتمامه وليس بمجال تخصصه. وننتقل إلى مفكر عربي يكاد يعرفه الجميع إلى مهندس الكهرباء المفكر الجزائري مالك بن بني.. لا أكاد أُحصي رسائل الدكتوراه والماجستير والدراسات والكتب والمقالات التي صدرت عنه وكذلك الندوات واللقاءات والمؤتمرات التي ناقشت فكره أو نوَّهَتْ به لكن المهتمين به هم من النخبة المستنيرة وليس الطوفان العربي الذي اندفع أولاً خلف شعارات البعثيين والقوميين والناصريين ثم اندفع خلف الوعاظ ودعاة الانغلاق ولم يكن لدى القوميين ولا الإسلاميين أية رؤية حضارية يتحقق بها دخول حضارة العصر وإنما مجرد شعارات أو دعوات للنكوص والانغلاق أما مالك بن نبي وأمثاله من المفكرين العرب القلة الذين يرون ضرورة الأخذ بأسباب التقدم الحضاري وينتقدون أوهام الكمال والاكتفاء فلم يجدوا أي استجابة إيجابية عامة وإنما قوبلوا بالرفض من الثقافة السائدة فمالك بن نبي قد أثرى المكتبة بعطاء فكري زاخر لكن البيئة العربية والإسلامية لم تستفد منه بل اندفعت خلف دعاة الرفض لحضارة العصر وتفاقَم هذا الرفض العنيف مع الاستنفار الجهادي في أفغانستان الذي سبقته هزيمة العرب عام 1967 التي ملأت النفوس بالمرارة والهوان فتحولت حركات النضال العربي ذات الطابع القومي الدنيوي إلى اندفاع جهادي بتفكير سلفي شديد الرفض لحضارة العصر وموغل في إدعاء الكمال والاكتفاء. إن كُتب مالك بن نبي والكتب التي صدرتْ عنه تمثل مكتبة تنويرية كاملة أما كتبه فمعروفة ومتوفرة في المكتبات وأما الكتب التي صدرتْ عنه فمنها كتاب (مفهوم الحضارة عند مالك بن نبي وآرنولد توينبي) لآمنة تشيكو وكتاب (مالك بن نبي: في تاريخ الفكر الإسلامي وفي مستقبل المجتمع الإسلامي) للدكتور عمر بن عيسى وكتاب (مالك بن نبي: مفكرًا إصلاحيًّا) للدكتور أسعد السحمراني وكتاب (فلسفة الحضارة عند مالك بن نبي) للدكتور سليمان الخطيب وكتاب (المغرب العربي من ابن خلدون إلى مالك بن نبي) للدكتور محمد البصيري العكرمي وكتاب (دارسة تحليلية في فلسفة الحضارة عند مالك بن نبي) لشايف عكاشة وكتاب (التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي) للدكتور علي القريشي وكتاب (التغيير الإجتماعي في فكر مالك بن نبي) للدكتورة نورة خالد السعد وكتاب (مالك بن نبي: حياته وفكره) للدكتور عبد الله حمد العويسي وكتاب (مالك بن نبي ومشكلات الحضارة) لزكي الميلاد وكتاب (التخلف والتنمية في فكر مالك بن نبي) للطاهر سعود وكتاب (موقع المسألة الثقافية من استراتيجية التجديد الحضاري عند مالك بن نبي) للطيب برغوث وكتاب (البعث الحضارة عند مالك بن نبي ووحيد الدين خان) لبشير قلابي وكتاب (مشكلات العالم الإسلامي ومعالجتها في فكر مالك بن نبي) للدكتور عصام محمد عدوان وكتاب (من أفكار الفيلسوف مالك بن نبي) للدكتور نبيل طعمة وكتاب (نظريات في الفكر الإسلامي ومالك بن نبي) لعمر كامل مسقاوي وله أيضا (مقاربات حول فكر مالك بن نبي) وكتاب (نقد العقل المتخلف) للدكتور يوسف نور عوض ففيه فصل بعنوان (الرؤية الحضارية في فكر مالك بن نبي). ووردت عنه فصولٌ في كل الكتب والموسوعات التي تتحدث عن الفكر العربي المعاصر أو الفكر الإسلامي في العصر الحديث مثل كتاب (فلسفة الثقافة في الغرب وعند العرب) للدكتور محمد شوقي الزين وهو كتابٌ ضخمٌ وحافلٌ بالمعنى وقد أهداه لمالك بن نبي وعزيز الحبابي كما خصه الدكتور مهدي أمبيرش بمبحث مكوَّن من عدد من الفصول في كتابه (في إشكاليات المشروع والمشروع الإسلامي) أما جورج طرابيشي فقد ترجَمَ له في (معجم الفلاسفة) بوصفه مفكرًا نهضويًّا ومثله الدكتور عبد المنعم الحفني في (موسوعة الفلسفة والفلاسفة) كما نوقشت أفكاره في مؤتمر الفلسفة في الوطن العربي في مئة عام وقد تضمن الكتاب الذي صدر عن المؤتمر فصلاً كاملاً بعنوان (مالك بن نبي: إصلاحي أم فيلسوف) وخصَّه الدكتور السيد ولد أباه بفصل في كتابه (أعلام الفكر العربي) كما نوقشت أفكاره في ندوة (فلسفة الحرية) التي نظَّمها مركز دراسات الوحدة العربية وضم الكتاب الصادر عن الندوة فصلاً ضافيا بعنوان (فكرة التحرر في مشروع مالك بن نبي الحضاري) وخصه الدكتور محمد أبو رمان بفصل بعنوان (مالك بن نبي: الشرط الحضاري للإصلاح السياسي) وذلك ضمن كتابه (الاصلاح السياسي في الفكر الإسلامي) ونوقشت أفكاره ضمن ندوة النقد الحضاري في الفكر العربي المعاصر التي نظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان ففي هذه الندوة قدَّم الدكتور عبد القادر بوعرفة دراسة عنه بعنوان (آليات التمكين للإنسان الشاهد من خلال فكر مالك بن نبي) وفي المؤتمر العلمي الذي عُقد بعنوان (العرب والغرب) قُدِّمت عنه دراسة علمية بعنوان (الثقافة والفاعلية عند مالك بن نبي) أما الدكتور محمد أركون فإنه في كتابه عن (القرآن) انتقد بحدَّة كتاب (الظاهرة القرآنية) لمالك بن نبي أما الدكتور محمد الرحموني فقد خصَّ مالك بن نبي بفصل كامل في كتابه (أدبيات النقد الذاتي) وتم تلخيص أفكاره في فصل ضمن كتاب (الفلسفة العربية المعاصرة) لمجموعة من الأكاديميين بإشراف وتحرير الدكتور إسماعيل مهنانة. إن هذا الاهتمام الواسع المتجدد بفكر مالك بن نبي يؤكد المكانة الشامخة التي يحتلها بين المفكرين وكما يقول المفكر الدكتور فهمي جدعان في كتابه (أسس التقدم عند مفكري الإسلام): ((لقد كان مالك بن نبي أبرز مفكر عربي عُني بالفكر الحضاري منذ ابن خلدون ومع أنه قد تمثل فلسفات الحضارة الحديثة تمثلاً عميقًا إلا أن ابن خلدون بالذات يظل أستاذه الأول)). ((إن أكبر مصادر خطئنا في تقدير المدنية الغربية أننا ننظر إلى منتجاتها وكأنها نتيجة علوم وفنون وصناعات وننسى أن هذه العلوم والفنون والصناعات ما كان لها أن توجَد لولا صلات اجتماعية خاصة لا تُتَصوَّر هذه الصناعات والفنون بدونها فهي الأساس الخُلقي الذي قام عليه صرح المدنية الغربية في علومه وفنونه)) إن مالك بن نبي قد شخَّص مصدر الخلل في التفكير العربي فهو يقول: ((إن المشكلة التي استقْطَبَتْ اهتمامي منذ أكثر من ربع قرن وحتى الآن هي مشكلة الحضارة فالمشكل الرئيسي بل أم المشكلات التي يواجهها العالم الإسلامي هي مشكلة الحضارة وكيف تدخل الشعوب الإسلامية في دورة حضارة جديدة.. هذه هي القضية التي وجَّهْتُ لها كل مجهوداتي منذ ثلاثين سنة)) ويقول: ((إن أكبر مصادر خطئنا في تقدير المدنية الغربية أننا ننظر إلى منتجاتها وكأنها نتيجة علوم وفنون وصناعات وننسى أن هذه العلوم والفنون والصناعات ما كان لها أن توجَد لولا صلات اجتماعية خاصة لا تُتَصوَّر هذه الصناعات والفنون بدونها فهي الأساس الخُلقي الذي قام عليه صرح المدنية الغربية في علومه وفنونه)) ويقول: ((إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارية ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارة أو تهدمها)) ويقول: ((الخطر من الانقياد الأعمى إلى الدروشة.. إن جوهر المسألة هو مشكلتنا العقلية ونحن مازلنا نسير ورؤوسنا في الأرض وأرجلنا في الهواء وهذا القلب للأوضاع هو المظهر الجديد لمشكلة نهضتنا)). إن هذا ليس تعريفًا به فهو أشهر من أن يعرَّف بمثل هذه السطور وإنما هو مجرد تذكير بأن واحدًا من مهندسي الكهرباء قد أخذه اهتمامه القوي المستغرق إلى مجال الفكر فأبدع ونال من الشهرة في مجال اهتمامه ما جعله موضوعًا لأطروحات أكاديمية عالية متنوعة ودراسات تحليلية واسعة إنه بوصفه مفكرًا لن يتغيَّر اتجاهه لو أنه تخصَّص في أي مجال آخر فالتخصص بالنسبة له ولأمثاله من المفكرين والرواد هو مجرد حَدَث عابر ليس له تأثير على ما آل إليه.

مشاركة :