سلطت وكالة "بلومبرج" الإخبارية الضوء على تهديد خطير يواجه هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، مع سعي العديد من الدول للبحث عن عملات بديلة لإجراء الصفقات التجارية الدولية.وقالت الوكالة إن حصة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي قد انخفضت على مدار عقود، فيما شرع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانسحاب من الدور الأمريكي بوصف الولايات المتحدة "زعيمة العالم الحر"، لكن الدولار لا يزال حتى هذه اللحظة على الأقل مهيمنًا على الاقتصاد العالمي.وحذرت الوكالة من أنه إذا فقد الدولار دوره المركزي المهيمن - وهو ليس خطرًا وشيكًا ولكنه مع ذلك احتمال قائم - فسيكون الاقتصاد الأمريكي أكثر هشاشة وعرضة لفقدان ثقة المستثمرين، وعندها قد يضطر الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) للجوء إلى ما تفعله الدول عادة حين تفقد ثقة المستثمرين؛ وهو رفع أسعار الفائدة إلى معدلات مؤلمة، في محاولة لكبح تسرب الأموال إلى الخارج.وأوضحت الوكالة أنه بالرغم من أن زوال هيمنة الدولار ليس خطرًا وشيكًا ولا مما يمكن حدوثه بين عشية وضحاها، فإنه لا يجب على الولايات المتحدة أن تركن مطمئنة إلى تفوق عملتها، إذ قد تتبدل الأوضاع في المستقبل.وأضافت الوكالة الخطر الوشيك الحقيقي على هيمنة الدولار هو إفراط الولايات المتحدة في فرض العقوبات المالية، خاصة على إيران والدول التي تتعامل معها، حيث من المقرر إعادة فرض العقوبات الأمريكية بالكامل على إيران في 4 نوفمبر المقبل، وحتى الآن نجحت واشنطن في الضغط على شركات أجنبية لسحب استثماراتها من إيران، وقد تصبح شركات وبنوك أوروبية عرضة للعقوبات الأمريكية إذا ما تعاملت دون قصد مع مؤسسات إيرانية مثل الحرس الثوري.ونتيجة لذلك، يعمل قادة أوروبا، الذين يرون نظام العقوبات الأمريكية بمثابة انتهاك لسيادة دولها، على تأسيس نظام للمدفوعات يتيح للشركات الأوروبية التعامل مع إيران دون أن تكون عرضة لعقوبات وزارة الخزانة الأمريكية ومكتب الرقابة على الأصول الأجنبية التابع لها. ومن بين الأفكار المطروحة تأسيس منظمة تمولها الحكومات الأوروبية لتكون أقل عرضة للعقوبات الأمريكية من الشركات والبنوك، بغرض تنظيم مقايضة النفط الإيراني مقابل منتجات من أوروبا وربما روسيا والصين أيضًا، وقالت فيديريكا موجيريني، منسقة الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي "إننا لا نقبل كأوروبيين أن يحدد الآخرون، حتى ولو كانوا أقرب حلفائنا وأصدقائنا، من يمكن لنا أن نتعامل معه".أما التحدي الأكثر خطورة على المدى الطويل أمام الدولار فهو ما يسميه الاقتصاديون "معضلة تريفين"، نسبة إلى الاقتصادي الأمريكي من أصل بلجيكي روبرت تريفين، الذي لاحظ عام 1959 أنه لكي تضخ الولايات المتحدة الدولار في الأسواق العالمية عليها أن تتحمل عجزًا تجاريًا ثقيلًا، فالدول الأخرى تحتفظ بالدولارات التي ربحتها من عمليات التصدير كاحتياطي نقدي بدلًا من أن تشتري بها بضائع وخدمات أمريكية، لكن من ناحية أخرى فإن العجز التجاري المزمن يقوض الثقة في الدولار.لكن الجانب السلبي لهيمنة الدولار هو أن الطلب العالمي المرتفع على الدولار يرفع قيمته أمام عملات سائر الدول، الأمر الذي يرفع أسعار المنتجات الأمريكية ويقلل من قدراتها التنافسية في الأسواق الدولية والمحلية على السواء، حيث يمكن لفترات الركود أن تتسبب في أزمات بطالة داخل الولايات المتحدة، لأن السلع المستوردة الرخيصة قد تحل محل سلع يُمكن إنتاجها محليًا داخل الولايات المتحدة لكن بأسعار أعلى بسبب ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى، وفي الوقت ذاته فإن تكدس الدولارات خارج الولايات المتحدة يُعد تسربًا للثروة إلى دول أخرى.
مشاركة :