في ضوء التعليقات التي يطلقها شياطين «التويتر»، وأعني بهذا أولئك الذين يضمرون الضغينة لهذا المجتمع الطيب المتحاب، وقد باتت مآربهم معروفة لرسم صورة بائسة تعكس ما يختلج في قلوبهم المريضة تجاه العملية الانتخابية القادمة التي تشير كل المعطيات إلى أنها ناجحة، وفي ضوء تلك التعليقات التي يتداولها المواطنون من ذوي النوايا الطيبة في وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى تعقيبًا على ما يبثه وكلاء الشياطين القابعة في الدوحة أو في طهران، لا بد للمرء أن يتوقف قليلًا عند هذا التهويش الذي تبثه الزمرة الباقية من عصابة الدوار بدعم وافر من نظام الملالي في إيران ونظام الحمدين في قطر؛ ليؤكد أن ما تفعله هذه الزمرة ما هي إلا رقصة الديك المذبوح والترجمة العملية لما بقي لتلك العصابة البائسة من أنفاس أخيرة تزفرها يأسا للتأثير في المواطنين في ما تبقى من أشواط أخيرة تفصلنا عن الاستحقاق الانتخابي. وهذه المحاولات البائسة تفرض على المرء أن يستحضر المثل العربي ليقيس مورده على مضرب ملأته جوقة الدوار صياحًا يائسًا، ويتصرف في منطوق المثل تأدب ليقول: دعهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة زفرات يأس ويشهقونها حسرات فتلك الحيوانات الأليفة... والقافلة تسير! التصريحات التي يطلقها الناوون تقديم ترشيحات لأنفسهم في الانتخابات القادمة، والجدل الذي تثيره تصريحاتهم، بالإضافة إلى التعليقات الحافة بها في مختلف منطلقاتها، أي سواء منها تلك الصادرة عمّن لا يرجون النجاح للعملية الانتخابية أو عن ذوي السجايا النظيفة الذين يتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعي بعفوية مفرطة، قادتني إلى البحث في أمرين: الأول معرفة عدد الذين في نيتهم الترشح إلى قبة البرلمان لتمثيل الشعب، والثاني الدوائر الانتخابية التي ينتسب إليها أصحاب التصاريح، وإذا ما كانت لديهم برامج انتخابية يُعتد بها. فأول ما خطر على بالي لمعرفة هذين الأمرين هو أن أفتح صفحة «انتخابات» بجريدة «الأيام» الغراء وهي الصفحة التي ترصد أوضاع الحالة الانتخابية دقيقة بدقيقة في كل دائرة انتخابية، وفعلًا فعلت ولكني، للأسف، لم أحصل على الرقم جاهزًا فكان لزامًا عليّ أن أقوم بعدّ الأسماء أو صور المترشحين، وهذا ما تم بعد أن استغرق مني وقتًا ليس بالقصير، فكان الرقم حتى يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي مفاجئًا إذ بلغ أكثر من 270 مترشحًا من بينهم 48 مترشحين محتملين. حتى الآن، أي قبل أكثر من أسبوعين من موعد فتح باب الترشح في 14 من الشهر الجاري، فإن عدد المترشحين كبير ويشي بحراك انتخابي ناجح وكفيل بأن يلقم المراهنين حجرًا على نجاح دعواتهم إلى المقاطعة أو الذين يهددون المترشحين ويتوعدونهم، لكي يكفوا بعد ذلك عن الترويج لبضاعتهم الإيرانية القطرية الفاسدة. كما أن هذا العدد الكبير مؤشر على أن المجتمع البحريني بدأ يتعافى باطّراد من تبعات أحداث الماضي، ولن يستمع لألوان التهديدات التي تصدر ممن بقلوبهم حقد وكراهية. نجاح الانتخابات، مشاركة ونتيجة، ستكون حتما الضربة المواطنية القاضية لزراع الفتنة في المجتمع البحريني ولداعميهم في الخارج. غير أن ما شكل لدي التباسًا في المشهد الانتخابي، ووددت التحدث فيه بعد هذه المقدمة الطويلة نسبيًا، والضرورية أيضًا، هو أن الأعداد الكبيرة من المترشحين - على الرغم من أنه أمر إيجابي ومطلوب للعملية الانتخابية - فتحت لدي سؤالًا كبيرًا مفاده: هل أضحى الترشح إلى المجلس النيابي، أي تمثيل الشعب، بهذه البساطة أو السهولة؟ أي، ألا يتطلب تمثيل الشعب حدًا معينًا معقولًا من الكفاءة والخبرة والعلم؟ ولكي لا أُتَّهم بأنني أطعن في الكفاءات الوطنية ممن سارع إلى الترشح، فإنني أقصد البعض ممن نعرفهم. نحن بلد صغير، كل منا يعرف الآخر أو على رأي المثل الخليجي «كلنه عيال قريّة والكل يعرف خيّه». فتمثيل الشعب تحت قبة البرلمان ليس بالأمر الهين. ولدينا تجربة المجالس السابقة.. فماذا صنع من كان مستواه متواضعًا. لا تدعوا الناس «تكفر» بالديمقراطية وبالمجلس التمثيلي بصفته عنوانًا لها، بترشح من هب ودب. انتظارات المواطن كبيرة من المجلس النيابي القادم، والملف الاقتصادي متخم بالبنود التي لا ينبغي أن يخوض فيها إلا العارفون بالشأنين الاقتصادي والسياسي، ويجب تداولها بالمسؤولية الكافية التي توازن بين مصلحة الدولة ومصلحة المواطن، ولعل أكثر المسائل إلحاحًا هي مسألة برنامج التوازن المالي الذي من المؤمل أن يحقق مقاصده مع نهاية الفترة التشريعية للانتخابات القادمة لتسترد المالية العمومية توازنها وتستعيد عافيتها. فهل المترشحون كلهم على قدر من الكفاءة لمشاركة الحكومة العمل على تنفيذ كل المبادرات من دون المساس بمكتسبات المواطنين، والعمل معها على تحقيق مقاصد هذا البرنامج؟ باختصار الملف الاقتصادي من أهم الملفات في هذه الفترة، وعلى كل من لا يرى نفسه معطاءً في هذا الجانب أن يتيح المجال لغيره ممن لديه إضافة ما. بعد أربع فترات انتخابية كانت نتائجها متواضعة، فنحن اليوم، مع هذا الكم الجميل من المترشحين، نحتاج إلى تنازلات تُقدّم الأكفأ والأقدر على تمثيل المواطنين وحمل أمانة تمثيلهم، وعلينا في الوقت نفسه أن نحذر كل نفس شعبوي قد تُغري أقواله الحماسية بعضًا من الناس، ولكنها في حقيقتها تدس السم في الدسم، فشؤون السياسة والاقتصاد لا ينهض بها إلا ذوو العلم والخبرة، ومساعدة الحكومة على تفسير ما قد تتخذه من إجراءات قد تبدو مؤلمة للبعض ولكنها ضرورية لتجاوز مخلفات الأزمة النفطية والمالية العالمية أمر لا يمكن أن ينهض به إلا من وعى بهذه الملفات وامتلك القدرة على الإقناع.
مشاركة :