التأمين الصحي وخريف العمر | أ.د. سامي سعيد حبيب

  • 9/23/2013
  • 00:00
  • 30
  • 0
  • 0
news-picture

لا ينكر منصف كم استثمرت المملكة العربية السعودية -ولا تزال- منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في الرعاية الصحية للمواطن، سواءً في البنية التحتية كإنشاء المستشفيات الكبرى، والمراكز الطبية المتخصصة في كبريات المدن، وتأمين أحدث الأجهزة التشخيصية المتطورة التي تضاهي كبريات المستشفيات العالمية، وتأمين الأدوية بأنواعها، أو في تأهيل وتدريب الكادر الطبي من أبناء هذا الوطن المعطاء، الذي نحتفل هذا اليوم بعيده من أطباء، وممرضين، وفنيي مختبرات، وتوفير خدمات الإخلاء الطبي، كل ذلك بالطبع ضمن الإطار الرسمي الذي يقدم للمواطن مجانًا من قبل وزارة الصحة التي بلغت ميزانيتها لهذا العام 1434/ 1435هـ 55 مليار ريال، أي زهاء 16% من ميزانية الدولة، وممّا لا شك فيه بأن القطاع الصحي الخاص يقوم بدور إيجابي مكمل، وإن كان يشوبه في بعض الأحيان شيء من الجشع. غير أن المحك الحقيقي لفاعلية كل تلك الإمكانيات الضخمة في الاضطلاع بواجبها الوطني هو: هل يستطيع المواطن البسيط الحصول على الخدمة الطبية الكاملة، خصوصًا إن كان من كبار السن الذين ترفض كثير من شركات التأمين الصحي التأمين لهم، وتقديم الرعاية الصحية بالسرعة والاتقان المهني اللازمين، والذي من المفترض أنه لا يفرق بين المرضى بغض النظر عن المكانة الاجتماعية للمريض. للأسف الواقع يؤكد الإجابة بالنفي فما لم يكن المريض أو أحد من أبنائه من ذوي المكانة الاجتماعية، أو صاحب شبكة معارف متشابكة، أو ذو ثراء عريض؛ عدا ذلك فالسؤال يتحوّل فورًا إلى: هل نعرف أحدًا في المستشفى الفلاني، أو هل لك ابن يعمل بإحدى الشركات الكبرى كأرامكو، وسابك وغيرهما، التي توفر للوالدين التأمين الطبي، وإلاّ عليك الانتظار لشهور طويلة، والوقوف في طوابير طويلة، وأحيانًا نفاد الأدوية الباهظة الثمن. تعرّف منظمة الصحة العالمية التأمين الصحي بأنه (وسيلة لتغطية تكاليف الرعاية الصحية عن طريق نظام تأمين ميسور التكلفة، أو برنامج تموّله الحكومة، ويمكّن السكان من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية دون التعرّض لمخاطر الإملاق، أو أي ضائقة مالية حادة). القاسم المشترك بين أنظمة التأمين الصحي في جميع الدول على اختلافها هو تقاسم مخاطر تكاليف الرعاية الصحية على جميع المشتركين، أي جمع الأموال المدفوعة مسبقًا، وإدارتها بطريقة تضمن توفير الأموال اللازمة للرعاية الصحية الشاملة في حالة إصابة البعض بالمرض. وفي الغرب الرأسمالي ثمة نوع من التأمين يمول من الضرائب العامة، ويحق من خلاله لجميع الناس الاستفادة الشاملة من الرعاية الصحية. وثمة ما يُسمّى بالتأمين الصحي الجماعي حيث تجمع رسوم التأمين من منسوبي جهة معينة كالشركات والمؤسسات العامة والخاصة، وتستخدم في تقديم الرعاية الصحية للمنسوبين. وهناك ما هو مزاوجة بين الطريقتين لاسيما في نظام التأمين الصحي الكندي، إذ تمتلك كندا نظامًا وطنيًّا للرعاية الصحية بتمويل حكومي يقدم الرعاية الصحية الأساسية للمواطنين الكنديين. إلاّ أن الكثير من الكنديين يحصلون على تأمين صحي تكميلي خاص للتأكد من تغطية مجموعة أكبر من احتياجاتهم المتعلقة بالصحة. تجربة التأمين الصحي لدينا لا تزال جديدة نسبيّاً، وفي غالبيتها مبنية على أسس الربحية المطلقة، لذلك فالتغطية الطبية الشاملة للكثير من كبار السن أو غيرهم ممّن يعانون من أمراض مزمنة ومستعصية مع الحفاظ على كرامة المريض شبه مستحيلة لهذه الفئة من الناس، ممّا يستدعي إعادة النظر في أنظمة التأمين الصحي والاقتراحات في هذا الصدد كثيرة منها: إلى جانب شركات التأمين الصحي الربحية القائمة حاليّاً، والتي تشبه إلى حد كبير شركات التأمين الجماعي العالمية، ولا يقبل غالبيتها التأمين للأشخاص المستقلين الذين بلغوا الستين من العمر فما فوق ولا للعائلات المستقلة (لا يعمل عائلها في شركات)، فربما كان أحد الحلول الناجعة تأسيس شركة حكومية - أهلية للتأمين الصحي لا تهدف للربحية بل لتقديم الرعاية الصحية الشاملة للمواطنين بأجيالهم المتعاقبة وأعمارهم المتفاوتة من المهد للحد تمولها الدولة بادئ الأمر، بل ويمكن للراغبين من أهل الخير المتطلعين لكسب الأجر المساهمة في تمويلها، على أن تعمل مع الوقت بكفاءة عالية تمكنها مستقبلاً من التمويل الذاتي في تقديم رعاية طبية شاملة وكريمة للمواطن والمقيم بشكل نظامي من المهد للحد. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (42) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :