إذا ما ذكرت الدنمارك فما هو أول شيء يتبادر إلى ذهنك؟ الرسوم المسيئة وحملة مقاطعة المنتجات أم مكعبات الليجو والمنتجات المشتقة من الحليب؟ مقالة اليوم تطرح جانباً جديداً بمناقشة التجربة الدنماركية في مقاطعة البترول. وضعت الحكومة الدنماركية هدفاً بأنه بحلول عام 2050م لن تستخدم الدنمارك أياً من المشتقات الهيدروكربونية كالبترول والغاز الطبيعي سواء لإنتاج الطاقة وحتى لوسائل النقل كالسيارات والشاحنات. والملفت للنظر هنا أن هذا الهدف تم تحديده بالإجماع تقريباً من الأحزاب السياسية المختلفة. حسناً إذا كان ذلك هو الهدف فما هو الوضع الراهن؟ في الواقع تنتج الدنمارك حالياً 40% من طاقتها الكهربائية عبر مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الهوائية والشمسية. والهدف المرحلي عام 2020م هو الوصول لإنتاج 50% من الطاقة عبر الطاقة المتجددة. ومن العوامل التي قد تخدم الدنمارك في الوقت الحالي وجود دولتين جارتين قادرتين على تصدير الطاقة الكهربائية إليها وهما السويد بمفاعلاتها النووية والنرويج بالطاقة الكهربائية المولدة من السدود والمياه. وننطلق إلى النقطة التالية الخاصة بالمشاكل والتحديات التي تواجه صانعي القرار في كوبنهاجن، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية: أولاً: الصعوبات المستقبلية للاعتماد على السويد بسبب اتجاه الأحزاب السياسية لإغلاق المفاعلات النووية وفي نفس الوقت صعوبة الاعتماد على النرويج مستقبلاً لارتفاع الطلب المحلي على الطاقة ووجود خطط مستقبلية لتصدير الطاقة من النرويج لبريطانيا، ثانياً: الطاقة الشمسية والطاقة الهوائية غير مستقرة فلن تكون كل الأيام مشمسة ولن تهب الريح طوال العام مما قد ينتج عنه انقطاع للتيار الكهربائي، وثالثا: المشاكل الاقتصادية التي تواجهها محطات توليد الطاقة التقليدية والتي تعتمد على النفط والفحم بسبب الاتجاه القوي للطاقة المتجددة مما تسبب في إغلاق عدد منها وعدد منها على وشك إعلان الإفلاس وهذا سيجعل الدنمارك بدون خط حماية أخير لإنتاج الطاقة الكهربائية في حال لم تتوفر الطاقة الكافية من أشعة الشمس والرياح. ما الحلول المطروحة إذن؟ على المدى القريب تدعم الحكومة الدنماركية بالمساعدات المالية محطات توليد الكهرباء التقليدية لحفظ خط الحماية الأخير ومنعاً لسيناريو انقطاع الكهرباء. من ناحية أخرى يدرس صناع القرار اعتماد فكرة التسعيرة الذكية لفواتير الكهرباء خاصة وأن عدادات الكهرباء وأنظمتها الآلية في الدنمارك ذكية ولا تحتاج تدخلاً بشرياً. ولتوضيح الصورة فعندما تكون أشعة الشمس قوية والريح عاصفة فيتم تقديم الكهرباء بسعر رخيص للمستهلكين ولكن عندما تصبح الموارد محدودة في الأجواء الممطرة ووقت سكون الريح يتم رفع السعر آلياً. وهذا سيدفع المستهلكين لترشيد استهلاك الكهرباء مما قد يساعد في منع الوصول للعجز في إمدادات الكهرباء. وهذا النوع من التفكير يسمى (إدارة الاحتياج Demand Management ) وهو شبيه بما صنعه اليابانيون بعد كارثة زلزال شرق اليابان العظيم عام 2011م حيث توقفت المفاعلات النووية عن إنتاج الطاقة الكهربائية وتعاون الأفراد والمؤسسات لترشيد استهلاك الكهرباء وأصبحت المحطات التلفازية اليابانية تبث يومياً (نشرة الأحوال الكهربائية) لتطالب الجميع بالتعاون في ترشيد الطاقة في ساعات الذروة المتوقعة. وإذا كانت الدنمارك تعد موطن رواية (حورية البحر) الشهيرة والتي يقف تمثالها أمام شواطئ كوبنهاجن،، فكما قررت حورية البحر التخلي عن عالم البحار وبدء حياة جديدة على اليابسة مهما كانت التضحيات فالدنماركيون جادون في مخططاتهم لصناعة مجتمع وتقديم نموذج جديد لدول العالم في الحياة والعيش بدون بترول مهما كلف الثمن! ومن ناحيتنا هل سننتظر إلى عام 2050م لتستغني الدنمارك وغيرها عن صادراتنا النفطية؟ ألم يأنِ لنا أن نسارع لبناء اقتصادات سعودية وخليجية قائمة على المعرفة والعقول وليس البترول؟
مشاركة :