«كان أبي في هيروشيما يوم ألقيت عليها القنبلة الذرية، عاد إلينا في اليوم التالي ورأيت جلده يذوب وشعره يتساقط أمامي حتى حسبته بقايا إنسان وأنا أرى عظام جسده !». هكذا حدثني صديقي الياباني عن الموت الأليم الذي لقيه والده ومن كان معه من اليابانيين في هيروشيما إبان الحرب العالمية الثانية. حديثنا اليوم عن ضحايا الإشعاعات النووية في عالمنا العربي.. ننتقل من أكوام الرماد وأشلاء الضحايا في هيروشيما إلى بلاد الرافدين في العراق حيث يشير الباحث كاظم المقدادي في بحث بعنوان: (القضايا البيئية والصحية الساخنة المهملة في عراق اليوم) إلى أن القوات الأمريكية والبريطانية استخدمت في حربي عام 1991م و2003م في قصفها للعراق 3 آلاف طن من الأسلحة المدمرة المصنعة من النفايات النووية الناتجة عن تخصيب اليورانيوم مما تسبب في انتشار إشعاعي يعد أكثر خطورة بعدة مرات من القنابل النووية التي ألقيت على هيروشيما وناجازاكي في 1945م. ونتيجة لذلك لقي مئات الآلاف من أبناء الرافدين حتفهم ومايزال العراق يعاني من معدلات عالية في الأمراض السرطانية المختلفة والتشوهات الخلقية الرهيبة للأجنة والمواليد وحالات الإجهاض. ولتوضيح الصورة ففي عام 2010م بلغت نسبة الأطفال المواليد في العراق بعيوب في القلب 95 حالة إلى كل 1000 من المواليد. وبلغة الأرقام فهذا يمثل 13 ضعفاً للمعدل المسجل لنفس الحالات في الاتحاد الأوروبي! الأسوأ من ذلك ما ذكره ضياء السراي عن دراسة مسحية لمنظمة الصحة العالمية مع مؤسسات عراقية عام 2010م كشفت عن وجود أكثر من 143 موقعاً ملوثاً بمستويات مرتفعة من إشعاعات اليورانيوم في العراق. وبطبيعة الأمر، إذا لم يتم معالجة هذه المواقع ومخلفات الحرب من الأسلحة والمدرعات الملوثة بالإشعاعات فستستمر هذه المشكلة تحصد أجيالا بعد أجيال في العراق وما جاورها!! ونترك خلفنا نهري دجلة والفرات ونبحر صوب القرن الأفريقي في الصومال. وأستشهد بما كتبه الباحث معمر الخليل حسب صحيفة (كانبيرا تايمز) من أستراليا عدد 8/4/2005م عن عقد شركات أوروبية صفقات مع أمراء الحرب لاستخدام البحار المحيطة بالصومال للتخلص من مخلفات مثل اليورانيوم المشع وغيرها من المخلفات السامة والكيميائية عبر إسقاطها في قاع المحيط في براميل قابلة للاستخدام مرة واحدة دون أي اهتمام أو اعتبار لصحة السكان المحليين أو الآثار السلبية على البيئة. وبعد زلزال سومطرة عام 2004م أدت موجة المد العاتية (التسونامي) إلى إلقاء هذه البراميل من أعماق البحر إلى سواحل الصومال. أدت هذه المخلفات الإشعاعية إلى أصابة من تعرضوا لها في سواحل الصومال بمجموعة من الأمراض مثل التقرحات الجلدية الخطيرة، الصدمات القلبية القاتلة، إصابات النخاع الشوكي وتقرحات المعدة والأمعاء وغيرها والتي تؤدي جميعها للموت في فترة تتراوح بين يومين إلى عشرة أيام. وعلى ما سفك هولاكو وجنوده من دماء في بغداد فجريمته ضد الإنسانية انتهت في زمنه.. أما في زمننا فجرائم القراصنة المتعاملين بالأسلحة والنفايات المشعة ضد الإنسانية والبيئة ستظل آثارها لقرون.. والمصيبة الأعظم أنهم يلوثون أرضنا ومياهنا العربية بأسلحتهم ونفاياتهم المشعة ثم يجيؤون عشاء يبكون لأن البترول يلوث الهواء ويزيد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون! وأخيرا،، ما هو الحل مع هذه التحديات الكبرى؟ الخطوة الأولى عدم تجاهل المشكلة ومواجهتها بشفافية والعمل بأسرع وقت ممكن على معالجة المواقع الملوثة وحصر المستويات الإشعاعية في مختلف المناطق. أما الخطوة الأهم فالعمل لبناء قوتنا الذاتية لنحمي أنفسنا والأمم من حولنا والعمل مع بقية الدول والمؤسسات ذات المسؤولية لنحمي أجيال البشرية القادمة من خطر مجرمي الأسلحة والنفايات المشعة.
مشاركة :