مدينة الأشباح في فوكوشيما - د.م. عصام أمان الله بخاري

  • 6/5/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هل جربتم مرة أن تسيروا في مدينة أشباح؟ لماذا توقفت الساعة في مدرسة أويكي بتوقيت الثالثة والنصف؟ مقالة اليوم تحكي لكم المشاهد التي رأيتها من على بعد 4 كلم من محطة فوكوشيما النووية. ناميئيه مدينة يابانية صغيرة على ساحل المحيط الهادي، كان يقطنها 21 ألف نسمة يعيشون حياة هادئة وادعة حتى أقبل يوم 11 مارس من عام 2011م حين ضرب اليابان زلزال عنيف بقوة 9 درجات على مقياس رختر مما تسبب بحدوث موجات تسونامي وصل ارتفاعها لما يقارب الأربعين متراً. بعد الزلزال قرر 83 طفلاً وطفلة من مدرسة أويكي الابتدائية الهرب بأسرع ما يمكن قبل أن تغرقهم أمواج التسونامي خاصة وأن مدرستهم لا تبعد سوى 200م من ساحل المحيط. هرب الجميع وقام أحد الأساتذة بحمل طالب مقعد لا يستطيع السير على ظهره وساروا مسافة 2 كلم حتى وصلوا إلى قمة أحد الجبال الصغيرة.. كانت النتيجة نجاة جميع أطفال المدرسة من الغرق. وفي أحد الفصول في المدرسة توقفت الساعة بتوقيت الثالثة والنصف وهي اللحظة التي ضربت فيها أمواج التسونامي المدرسة بارتفاع 15 متراً. عندما تنظر لتلك الساعة وتشاهد السبورة وقد كتب عليها بالطباشير 11 مارس 2011م تشعر وكأن الزمن توقف فجأة في تلك اللحظة.. ورغم أن طلاب المدرسة نجوا إلا أن الكثير من آبائهم وأمهاتهم وطلاب المدارس الأخرى فقدوا حياتهم غرقاً. تسير في الطرقات فتشاهد البيوت الخربة والسيارات المحطمة فتنبيك عما أصاب تلك المنطقة من نكبات وتشتم رائحة الموت من كل جانب. لم يفق أهل المدينة من كارثة التسونامي إلا وقد فجعوا بعدها مباشرة بمشكلة التسربات الإشعاعية من محطة فوكوشيما دايئيتشي النووية. ولهذا السبب لم يعد أحد يسكن في تلك المدينة. تسير في شوارعها فتلقى البيوت المهدمة وقد هجرها سكانها والمحلات ساكنة ولا شيء يُسمع سوى صوت الريح فكأنما هي مدينة أشباح.. أما الإشعاعات فعلى الطرق السريعة شاشات عرض لمستوى الإشعاعات في كل منطقة. وتم تقسيم المدينة لثلاثة أقسام حسب مستوى الإشعاعات. وسيشدك في فوكوشيما منظر الأكياس السوداء المتناثرة في الطرقات. تلك الأكياس التي تحتوي على 30 مليون طن من التراب والأنقاض الملوثة بالإشعاعات والتي تم تجميعها بتلك الطريقة في انتظار أن يوافق الأهالي على السماح للحكومة بتخزينها بشكل موقت لعدد من السنوات قبل نقلها للمخزن النهائي. ورغم كل هذه الصعوبات فقد وضع اليابانيون خطة لإعادة الإعمار ويتم أخذ آراء سكان المدينة اللاجئين في مناطق اليابان المختلفة. ورغم كل هذا الدمار فمن أجمل ما شاهدته مشروع لتوليد الطاقة الشمسية مرتبط بمزرعة خضروات تزود 1700 منزل بالكهرباء في مدينة مينامي سوما. ومن المخطط الاعتماد الكلي على الطاقة المتجددة لتوليد الطاقة في فوكوشيما خلال السنوات القادمة. ومن المشاريع البحثية القائمة توليد الطاقة من الطحالب حيث سيكون 50% من وقود الطائرات عام 2020م معتمداً على الطاقة الحيوية. وباختصار فقد أحببت إيصال ثلاث رسائل من تلك الزيارة الميدانية للمناطق المنكوبة في فوكوشيما وهي: أولا) ضرورة الوعي والاستعداد في المدارس والجامعات والمؤسسات المختلفة للتعامل مع الأزمات والكوارث والاستفادة من التجارب العالمية. ثانيا) الأخطار الكبيرة التي يمكن أن تنجم عن المفاعلات النووية التي شردت سكان مدن كاملة من ديارهم بسبب التسربات الإشعاعية. وأخيراً) الإرادة القوية والأمل الكبير مهما اشتدت المصاعب وكثرت التحديات وهذا ما أحسست به وأنا أرى اليابانيين عازمين على النهوض من أنقاض فوكوشيما كما فعلوا من قبل في نهضتهم من بعد القنابل النووية في هيروشيما وناجازاكي.

مشاركة :