التجربة الصينية في إيقاف الابتعاث (1/2) - د.م. عصام أمان الله بخاري

  • 6/27/2014
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

هل برامج الابتعاث ضرورية ومهمة لنهضة الأمم؟ ألا تستطيع الدولة أن تلحق بركب الأمم المتقدمة بالاستثمار داخليا فقط دونما إرسال أبنائها بالخارج؟؟ في هذه المقالة نجيب عن هذه الأسئلة عبر استعراض التجربة الصينية بين عامي 1949م و1978م. نبدأ رحلة اليوم من بكين في سبتمبر عام 1949م حين تم الإعلان عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية وانتخب (ماوتسيتونغ) رئيسا للحكومة. في تلك الفترة لم تمتلك الصين سوى ثلاثين مركزاً للأبحاث في وقت بلغت فيه نسبة الأمية 80% ولم تتعد نسبة الالتحاق بالدراسة في المرحلة الابتدائية 20%. ترى ما الذي فعله القادة الصينيون وسط هذه التحديات ؟؟ اتبع القادة الصينيون أسلوبين: أولا (دعوة العلماء الصينين في الخارج للعودة إلى الصين وخاصة من أمريكا. ثانيا (ابتعاث الطلبة الصينين للدراسة في الخارج حيث توجه أكثر من 90% من المبتعثين الصينيين إلى الاتحاد السوفيتي بين عامي 1950 و1960م. و شكل طلاب المرحلة الجامعية السواد الأعظم منهم بعدد بلغ 5500 مبتعث. وبلغ عدد طلاب الدراسات العليا حوالي 2000 مبتعث بالإضافة إلى 28000 من الفنيين المتدربين. ورغم هذه البداية المشجعة فلم يستمر برنامج الابتعاث للاتحاد السوفيتي طويلا. وذلك بعد توقيع اتفاقية (تكنولوجيا الدفاع الوطني) في أكتوبر 1957م، والتي تضنت تزويد الاتحاد السوفيتي للصين بتقنيات ورسوم هندسية للتصميمات الخاصة بالقنبلة النووية، بيد أن المسؤولين في موسكو قرروا في نفس الشهر إلغاء الاتفاقية و إيقاف برامج المنح المقدمة للصين نتيجة للخلافات المتزايدة بين البلدين في ذلك الوقت. نتيجة لذلك عاد المبتعثون الصينيون إلى ديارهم. واستطاع العلماء العائدون من أمريكا خصوصا والمبتعثون من طلبة وفنيين عائدين من الاتحاد السوفيتي وغيره أن يسهموا في النهوض العلمي والتقني للصين في تلك الفترة. ورغم أن الصين وصلت لمستوى جيد في الاكتفاء من المهارات المؤهلة علميا وتقنيا في نهاية الخمسينات غير أن انطلاق الثورة الثقافية عام 1966م وما نتج عنه من تحكم الجيش بالمصانع وإغلاق المدارس وإرسال الشباب والعلماء إلى الأرياف ليتعلموا من الفلاحين كل ذلك نتج عنه تعطيل للكفاءات الصينية خاصة مع إغلاق الجامعات خلال سنوات الثورة. ولم يكن الأثر الذي تركته الثورة الثقافية سهلا، فقد تراجع الأداء البحثي الصيني وتوقف برنامج استقطاب العلماء الصينيين في الخارج ناهيك عن توقف برامج الابتعاث مما أدى إلى ضعف البرامج الأكاديمية للجامعات والمعاهد العليا، ومن ثم بالنتيجة ضعف مستوى طلاب تلك الجامعات والمؤسسات وتخريجهم بإمكانات ضعيفة لا تتناسب مع احتياجات سوق العمل. وأصبح يطلق على الجيل الذي تخرج في تلك المرحلة "الجيل الضائع" بالإضافة إلى فقدان جيل كامل من العلماء والمهندسين بلغوا مليونين كانوا مقيدين في الجامعات عام 1966م . لعل أهم الدروس المستخلصة من التجربة الصينية في تلك الفترة هي: أ(خطورة الاعتماد على دولة أجنبية واحدة كمصدر رئيس للعلوم والتقنية وحصر ابتعاث الطلاب إليها كما حصل للصين في علاقتها مع الاتحاد السوفيتي. ب (خطورة التغييرات الفجائية وضرورة وجود استراتيجيات بعيدة المدى لا تتأثر بشكل كبير بتغير صناع القرار. ج (أهمية الاستثمار في المنظومة التعليمية الوطنية وتطويرها. د(أهمية توفير بيئة تدعم استقطاب الكفاءات من الخارج وخصوصا الوطنية منها. وأخيرا، فتعلمنا تجربة الصين أن إيقاف الابتعاث الخارجي معناه تأخر الدولة عن ركب التنمية والمعرفة وإضعاف وضعها التنافسي عالميا، والعكس صحيح فالابتعاث أداة مهمة لتطوير القدرات الوطنية وتحديثها. ونختم بالحكمة الصينية: " المعرفة التي لا تنميها كل يوم تتضاءل يومًا بعد يوم".

مشاركة :