يأتي احتضان معرض الشارقة الدولي للكتاب لليابان باعتبارها ضيف شرف الدورة السابعة والثلاثين للمعرض، انطلاقاً من الاحتفاء الشعبي والرسمي في دولة الإمارات بما تقدمه اليابان من تعاون وثيق وتبادل مثمر للعلاقات الثقافية والاقتصادية والعلمية، حيث تمثل اليابان بحضورها التاريخي المتجذّر وإرثها الثقافي المدهش والمتنوع، حالة فريدة واستثنائية في الجمع بين المكون التراثي وبين متطلبات الحداثة واشتراطاتها، وبالتالي استطاعت اليابان خلق حالة متناغمة بين ضدين في الظاهر، ولكنهما متآلفين في العمق، مستندة في ذلك على تقاليد وقيّم تعلِي من قيمة الابتكار والإبداع والجودة في كل شيء تقريباً، متكئة في ذات الوقت على تعاليم أخلاقية تشجع احترام الوقت وتطوير الذات وإشاعة روح الفريق والانتماء للأرض، مع نبذ الكراهية والتعصب والانغلاق. هي أرض الموسيقى والمطر وشعر الهايكو، وأرخبيل السحر الذي لا تغيب شمسه المبدعة عن حقول الرواية والمسرح والسينما والتشكيل، إنها اليابان المتآلفة مع مناخها وجغرافيتها وعذوبتها المتّحدة بخصوصية الإنسان الياباني ومع ديناميكيته وشغفه العميق بالنظام، واحترامه للتقاليد النابعة من أرضه، ومن حضارته الثرية والمتخمة بالجمال والطقوس والإبداعات· وكما يشير أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب فإن اختيار اليابان ضيف شرف معرض الشارقة الدولي للكتاب يأتي من حرص المعرض كل عام على تقديم الجديد والمختلف إلى القارئ العربي، وذلك ضمن رؤية مركزية شكل معالمها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يؤكد أن المعرفة والإبداع بوابة واسعة لتلاقي الحضارات، وتجاوز كل أشكال الاختلاف، وتقريب وجهات النظر، وفتح مسارات جديدة لتحقيق السلام والخير والتعايش، حيث يمنح التواجد الثقافي الياباني بالمعرض إضافة جديدة للمشروع الحضاري المتمثل في مقاربة التجارب المتميزة للشعوب، وكيف استطاعت عبر إنتاجها الأدبي والفني أن تعزز التناغم في ثقافتها بين الحداثة والأصالة وبين المدنية والأخلاق التاريخية. ويرى العامري، أن فرادة التجربة اليابانية هي نتاج لفرادة علاقتها بالكتاب واحتضانها للكُتاب والمبدعين، إذ لا يمثل الاختيار فرصة للاطلاع على التجربة الإبداعية اليابانية وحسب، وإنما يعد جسراً جديداً نحو ثقافة شرق آسيا بكل ما تزخر به من مضامين وتاريخ وتجارب شكلت إضافة للمسيرة الإنسانية بأكملها. وتقدم اليابان من خلال جناحها المميز في معرض الشارقة للكتابات حزمة من النشاطات المتنوعة المتمثلة في الندوات التعريفية بالفنون والآداب اليابانية إضافة للعروض الأدائية والورش والفلكلور المجسّد لتقاليد الضيافة والأزياء والحرف اليدوية الشعبية، والمبادرات الصناعية والابتكارات التكنولوجية. كما تقدم اليابان للمهتمين بصناعة الكتاب في المعرض آخر ما توصلت إليه من حلول وإنجازات في قطاع النشر، وآليات طباعة وتوزيع الكتب سواء بصيغتها الورقية أو الإلكترونية، وما حققته أيضاً في مجال التبادل الثقافي والحضاري مع الشعوب الأخرى من خلال الترجمة وإقامة معارض تخصصية تتعلق بالفنون البصرية والآثار والعلوم. وتزخر إسهامات اليابان في معرض الشارقة للكتاب بالعديد من الندوات التي يشارك بها نخبة من الكتاب والنقاد والمترجمين والفنانين اليابانيين، ويتمحور معظم نقاشاتهم حول الأنماط التعبيرية المختلفة، والاشتغال على السرد الاسترجاعي ووميض الذكريات البعيدة، التي ترويها الذاكرة اليابانية في زمن الحروب والانتكاسات الاجتماعية، ثم في زمن آخر يعانق النهضة الوطنية والصعود فوق جراحات وآلام الماضي. وكل ذلك خلال كتابات شعرية ونثرية ومعزوفات موسيقية وفنون أدائية تفيض بالشجن والتأمل والحكمة في وجود عائم ومتطاير، ولكنه يرتكز في ذات الوقت على بصيرة نافذة ورغبة قوية وصامدة أمام كل العواصف والمرارات التي خبرتها اليابان في تاريخها الطويل والممتد والمتشعّب.
مشاركة :