المناظرات فكرٌ جديد على المشهد التلفزيوني السعودي، وهي من الآداب الرفيعة، وفقه المناظرات معروف في بطون الكتب، مثل مناظرة النعمان بن المنذر وكسرى، وهناك المناظرات في مجلس المأمون، وللمناظرة كما جاء في جواهر الأدب ثلاثة شروط، الأول: أن يتم الجمع بين خصمين متضادين، بحيث تظهر خواصهما.. والثاني أن يأتي كل خصم بأدلته.. والثالث أن تصاغ المعاني والمراجعات بطريقة حسنة. وبرنامج الميدان الذي تبثه قناتا "الرسالة وروتانا خليجية"، ويُقدّمه الدكتور المتألق "أحمد العرفج"؛ من البرامج الحوارية التي أعادت فكرة المناظرات من جديد على الشاشة، وناقش العديد من القضايا الخلافية مثل: (قيادة المرأة للسيارة، وإغلاق المحلات وقت الصلاة، ومفهوم الاختلاط، وحكم سماع الموسيقى، والسينما في السعودية، وحكم تغطية وجه المرأة، ومناهجنا وصناعة التشدد... وغيرها كثير من القضايا الشائكة).. وكل الحوارات كانت محورها حرية الطرح تحت مظلة ثوابتنا الوطنية.. ومن هذه الرؤية يواجه "أحمد العرفج" عتاباً شديداً من قِبَل البعض في مواقع التواصل الاجتماعي على برنامجه، حتى وصل هذا العتاب إلى انتقاداتٍ كثيرة منذ انطلاقة البرنامج حول القضايا التي ناقشها، وقد أطلق عليه البعض أنه مثل المزهرية في البرنامج، حتى وصل العتاب للضيوف، والطريقة التي تُدار بها المناظرة.. وفكرة البرنامج حتى نكون منصفين ونطرح الموضوع بشفافية هو: أن يتم تنظيم لقاء بين المهتمين بتلك القضايا من مختلف الطوائف والمذاهب، ويتم طرح القضية المختلف حولها.. وهنا يتولى كل منهم -بما لديه من أدلة وبراهين- الحوار، ويُترك لكل منهم حرية الحديث دون تدخل من مدير المناظرة.. وهذا هو العُرف في المناظرات، وهنا يكمن العتاب والانتقاد الذي يُواجهه العرفج. وأقول في هذه الحوارات أو بمعنى آخر في هذا الفكر الجديد: إن مدير المناظرة هو المسؤول عن إدارتها، ويتدخل إذا استدعي الأمر تدخله، فينتقل بالضيوف من محورٍ إلى آخر، له اختيار المواضيع التي تُناقَش.. ونقطة مهمّة من مهامه وهي حسن إدارة الوقت، الذي فقدناه في كثير من البرامج، و"العرفج" هنا يلتزم الصمت والحياد، ويترك للضيوف المساحة للمنازلة وشرح وجهات النظر والاسترسال دون مقاطعة. ومن المؤكد أن لمدير المناظرة رأي في القضية التي يطرحها في برنامجه، ولكن نظام المناظرات يمنعه أن يطرحه، فهو في مكان الحَكَم بين الضيفين، ومهمته الأساسية إدارة الحلقة، و"العرفج" في برنامجه الميدان يرمي الكرة في ملعب المشاهد، فليس لديه انحياز لضيف معين على حساب الآخر.. ورغم أنني أعرف رأي "أحمد العرفج" في كثير من القضايا التي ناقشها البرنامج، ولكنه لم يطرح ذلك الرأي، وله مقال -قبل سنوات- يتحدث فيه عن إغلاق المحلات.. ولم يطرح رأيه عن هذا الموضوع حينما تناولت إحدى الحلقات قضية إغلاق المحلات أثناء الصلاة، وتم استضافة الباحث الشرعي عبدالله العلويط والشيخ الدكتور ناصر الحمد الباحث في القضايا الفقهية.. وهذه القضية للعرفج رأي فيها لم يتم طرحه، ولم يغلب عليه إبداء الرأي، رغم أن رأيه عدم الإغلاق، ولكنه التزم الحياد وترك الطرف الآخر يدافع.. وسبق أن كتب الدكتور محمد سالم الغامدي مقالاً جميلاً حمل عنوان: (هذا ما نحتاجه يا مركز الحوار)، أشاد ببرنامج الميدان، وطالب بتدريس مثل هذه البرامج في مركز الحوار الوطني حتى يستفيد الجميع من هذا الفكر الجديد. أما العتاب والانتقاد على قضية الضيوف، فالبرنامج قوته في ضيوفه ومواضيعه، وهناك اختلاف كبير بين المناظرة وحوار المجالس، فقد سألت "أحمد العرفج" عن كثير من الأسماء، وقال لي الكثير يعتذر.. فالمناظرة تحتاج إلى أدلة وبراهين وحجج.. وكما أبلغني "العرفج" بأن كثيرًا من الأسماء، تطلب أن تكون بمفردها في الحلقة.. فكما قلت حوار المجالس يختلف عن حوار المناظرات الذي يحتاج إلى ثقة بالنفس. وهنا مدير المناظرة يضبط الوقت ويُوزِّعه بين المناظرين، وهذا ما يشاهد عبر الساعة الرملية، ودوره مثل الحكم الذي يضبط إيقاع المباراة، والصافرة تأتي في وقتها. ورسالة برنامج الميدان هي: فكر المناظرة.. قوة إدارة الوقت.. واحترام فكر المشاهد وإعطائه قيمته. maghrabiaa@ngha.med.sa
مشاركة :