إفريقيا تتكاتف ضد الحروب التجارية «2 من 2»

  • 11/15/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

تكشف نظرة فاحصة إلى التوزيع الجغرافي للتجارة في إفريقيا جنوب الصحراء عن وجود تركز دون إقليمي ملحوظ. فالتجارة داخل الاتحاد الجمركي لدول جنوب إفريقيا SACU تمثل وحدها نصف إجمالي التجارة البينية الإقليمية لإفريقيا جنوب الصحراء. وعلاوة على ذلك، تمثل التجارة داخل الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي SADC وجماعة شرق إفريقيا EAC والاتحاد الجمركي لدول جنوب إفريقيا SACU أكثر من 70 في المائة من التجارة البينية الإقليمية لبلدانها الأعضاء. وفي منطقتي، الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا CEMAC، والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا WAEMU، تمثل التجارة داخل كل منهما نحو 50 في المائة من تجارتها البينية الإقليمية. وبالقيمة المطلقة، تشكل الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي SADC والاتحاد الجمركي لدول جنوب إفريقيا SACU أكثر من 70 في المائة و50 في المائة، على الترتيب، من إجمالي تجارة إفريقيا جنوب الصحراء. ومن الملاحظ أن انتشار التجارة بين البلدان المتجاورة في إفريقيا جنوب الصحراء تفسره حقيقة أن التجارة الثنائية تعوقها المسافة والتباينات الثقافية والاجتماعية؛ أي أن التجارة تزداد صعوبة كلما بعدت المسافة عن المنطقة دون الإقليمية للبلد المعني. بل إن هذه الحواجز أكثر انتشارا في إفريقيا جنوب الصحراء منها في بقية أنحاء العالم، رغم أنها ظاهرة عالمية. ولا غرابة إذن في أن زيادة التجارة بين بلدان الجوار كانت محركا قويا لنمو التجارة في المنطقة. فنحو نصف النمو الذي شهدته التجارة الإقليمية في الفترة بين 1980 - 2016 ينبع من هذا النوع من التكامل التجاري، وهي نتيجة قوية، خصوصا في جماعة شرق إفريقيا EAC والجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي SADC. ولا يشكل النمط العام للتكامل انعكاسا للقرب الجغرافي فحسب، بل هو انعكاس أيضا لقيود البنية التحتية، وأثر اتفاقيات التجارة الإقليمية، وانخفاض الحواجز غير الجمركية داخل المناطق دون الإقليمية. ونظرا لأنها غير متطورة، فإن التجارة بين المناطق دون الإقليمية تحمل أعظم الإمكانات لمزيد من التكامل. وفي هذا الصدد، فإن اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، التي وقعتها بلدان من أنحاء القارة، يمكن أن تكون الانطلاقة الأولى لموجة جديدة من التكامل الأعمق. وهناك سبب قوي آخر للتكامل البيني الإقليمي في إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ثروة الموارد الطبيعية. فقد تبين أن أنماط التجارة في أي بلد تتأثر كثيرا بوزن الموارد الطبيعية الناضبة في الاقتصاد. أما البلدان غير كثيفة الموارد فمعرضة بقوة للطلب الإقليمي؛ إذ تشكل الصادرات البينية الإقليمية 7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، أو 30 في المائة من إجمالي الصادرات، في المتوسط. وهناك أنماط مشابهة تبديها البلدان غير كثيفة الموارد النفطية، وإن كانت بدرجة أقل بقليل. وعلى الجانب الآخر، نجد أن الوضع مختلف في البلدان المصدرة للنفط. والاختلاف صارخ، فمتوسط الصادرات من البلدان المصدرة للنفط إلى بقية العالم يبلغ 25 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بينما تمثل الصادرات البينية الإقليمية 1.5 في المائة فقط، وهكذا فإن تلك البلدان محصنة من التداعيات الإقليمية، لكنها أكثر عرضة للتداعيات العالمية. والتكامل التجاري لا ينشأ في فراغ، فالعوامل المحركة كالتي تدعم وتعزز التجارة البينية الإقليمية تعمل أيضا على توثيق الروابط المالية البينية الإقليمية. وقد واصلت المصارف العاملة في إفريقيا جنوب الصحراء، توثيق روابطها المالية الإقليمية منذ عام 2007، في الوقت الذي غادرت فيه المصارف الأوروبية والأمريكية المنطقة في أعقاب الأزمة المالية العالمية. كذلك يعني التطوير المالي والتكنولوجي الجاري، أن إرسال تحويلات العاملين عبر أرجاء المنطقة يصبح أقل تكلفة، وهو ما أدى إلى تزايد التدفقات الإقليمية من هذه التحويلات، ويمكن أن يشكل هذا نسبة كبيرة من إجمالي الناتج المحلي في بعض البلدان. ويمكن أن تكون لقرارات سياسة المالية العامة آثار عابرة للحدود على الأسعار والاستثمار في البلدان التي تطبق التجارة الحرة أو في الحالات التي تكون فيها الحدود قابلة للاختراق. ومن الملاحظ أن قنوات التداعيات الإضافية هذه تزداد عمقا، تماما كالتجارة، لكنها لا تزال مؤثرة خاصة على المستوى دون الإقليمي. وعلى المدى المتوسط، تعني زيادة التكامل عبر هذه القطاعات المختلفة، إتاحة سوق أكبر للأعمال التجارية، والمؤسسات المالية، والمصدرين لبناء علاقات جديدة بالعملاء عبر الحدود، وهي تعني أيضا إتاحة فرص أكبر للمؤسسات المالية؛ كي تقدم خدماتها لمن يعانون قصورا في الخدمات المالية، ومن لا يحصلون على أي من هذه الخدمات، وتمكين العاملين في الخارج من إعالة أقاربهم في الوطن من خلال التحويلات المالية. إن إفريقيا جنوب الصحراء لا تزال قارة تتمتع بإمكانات هائلة. ولأن جانبا كبيرا من تكاملها لا يزال مركزا في المستوى دون الإقليمي، فأمامها الفرصة لتحقيق تكامل أعمق. ومن المتوقع أن يتسارع التقدم في هذا الاتجاه إذا نفذت الاتفاقية الموقعة أخيرا لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. غير أن إمكانية حدوث صدمات اقتصادية ينبغي أن تحفز صانعي السياسات على مضاعفة الجهود لمواجهة مخاطر التداعيات. وثمة حاجة لاستراتيجيات تحقق التحول الهيكلي لتعزيز التنوع، وتوفير الحماية من التداعيات الناجمة عن الاعتماد المفرط على عدد قليل جدا من المنتجات والشركاء. وتعد شبكات التجارة الأعمق، على النحو الذي تتوخاه اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، تطورا مشجعا في هذا الصدد؛ إذ بإمكانها مساعدة البلدان على التجارة في عدد أكبر من المنتجات مع شركاء أكثر تنوعا. وينبغي للحكومات أن تبني هوامش وقائية، وأن تراقب وتنظم الروابط العابرة للحدود - في القطاع المصرفي والمالي، على سبيل المثال - لتهيئة المناخ للنمو والاستقرار.

مشاركة :