انتقائية الوعي - ندى الطاسان

  • 9/25/2013
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

سيدة أبهرتني في قدرتها على الانتقال من شخصية لأخرى في ثوان قليلة، فبينما أنا أحارب للحفاظ على شخصيتي بكل أبعادها التي تتلاشى أحيانا أو تفضل الانزواء سعيدة بالاختفاء الذي يوفر لها هدوءا تسعى له. أجد هذه السيدة قادرة على التمثل أمامي وخلال ساعة بكل الشخصيات والآراء المتوقعة وغير المتوقعة، يمكنني أن أعرف من تصاحب في هذه الفترة وما هي آراؤهم ونظرتهم في الأحداث الحالية وما هي اهتمامتهم من خلال تمثلهم فيها كما يمكنني أن أعرف آخر تعليق قرأته عبر الانترنت من خلال تصرفاتها أو آخر قناة إخبارية شاهدتها واقتبست منها موقفا أو رأيها في حدث ما. فحيناً أجدها قد قررت أن تصبح "نباتية" وهي تحدثني عن أضرار أكل اللحوم بالتفصيل الممل بينما تلتهم قالب شيكولاته كاملا كان منسيا على الطاولة لتكمل بجدية الحديث عن أهمية الحمية ومراقبة الوزن، وحينا آخر أجدها تتحدث بصدق عن الأمانة والانتظام في العمل منتقدة تصرف زميلة عمل لها تصفها بصفات كثيرة منها الاستغلالية وعدم الالتزام بينما هي تخطط للهروب من الدوام لجلسة إفطار وقهوة مع صديقات في مطعم أو فندق قريب. لا أظن أن التناقضات بين الآراء والتصرفات مشكلة خاصة بالسيدة المبهرة هذه، أعتقد أنها مشكلة بشرية عامة، والنفس الإنسانية مغرقة في الغموض، وتصرفات الفرد يصعب تفسيرها بمنطق فرد آخر، ولا يمكنك أن تعزل تصرفات شخص لتحللها بعيدا عن المواقف التي يمر بها وبعيدا عن قناعاته وتجاربه وظروفه. لذلك فإنني اكتفيت بالانبهار بشخصية هذه السيدة وقررت أن أصدق تصرفاتها وأعتبر كلامها مجرد ضوضاء خلفية مكملة لديكور علاقتنا المهنية خاصة وأنني عجزت عن الإجابة عن سؤال مهم كان يلح في ذهني؛ "هل تعي هذه السيدة أنها متناقضة وواضحة في تناقضها؟" هل هي تعيش حالة ذبذبة وعدم استقرار مثلا؟ لا أنكر أن شخصيتها وتصرفاتها دفعتني للتفكير بالمسافة بين مبادئنا وتصرفاتنا وهي مسافة تقصر وتطول حسب قوية شخصيتنا وقناعاتنا بما نملكه وعدم تأثرنا بما قد يحيط بنا من سلبيات محبطة قد تعيد تشكيل هذه القناعات وتعيد ترسيم هذه المسافات. "انتقائية الوعي" هذه هل هي حالة مؤقتة أم طبع يلازم البعض منا؟

مشاركة :