شهدت الساحة المحلية والعالمية خلال أسابيع الكثير من الأحداث الإرهابية، ومن أبرزها الاعتداء على حرس حدودنا إرهابيا من بعض شبابنا المتبني للفكر الإرهابي، وما حدث في باريس من الاعتداء على مجلة ساخرة سيدفع ثمنها أبرياء من المسلمين هناك. وبين تلك الأحداث وما قبلها من أعمال عنف وإرهاب تظهر المحاولات لتفسير الظاهرة والبحث عن الأسباب. وفي الكثير من الطروحات جانب علمي متناثر هنا وهناك او تركيز على رؤية تفسيرية تغطي بعض جوانب الظاهرة ولا تقدم التفسير الذي يقود الى سبل المعالجة . ومنذ ان ترجم الراحل الدكتور غازي القصيبي كتاب ايريك هوفر العالمي والموسوم ب"المؤمن الصادق" والمحاولات العلمية مستمرة لفهم عقل المتطرف. فالدكتور غازي شغله السؤال الكبير "لماذا يصبح الإرهابي إرهابيا"؟ وهو نفس السؤال الذي يدور في ذهن والد احد المجرمين الذين اعتدوا على حرس الحدود وفجر نفسه وقتل الأبرياء. يقول عندما ترجم الكتاب انه لم يجد بحثا علميا يضيء عقل الإرهابي من الداخل لنكشف الخلل وهو ما لمسته أيضا بعد ظهور بعض المقالات ذات الطابع العلمي لتحليل شخصية الإرهابي. فالزميل الدكتور جاسر الحربش كتب في صحيفة الجزيرة الأسبوع الماضي حول الدوافع الغريزية الجنسية كتحليل فرويدي لعقلية المتطرف الملتحق بحركات جماهيرية تتيح له الإشباع بنكاح وكأني به يبحث عن غياب جهادهم في الصومال والتفضيل لغيرها . وفي سياق آخر طرح السيد ياسين في الحياة مطلع هذا الأسبوع مع الدكتور خالد الدخيل مقالين حول بعض التفسيرات العلمية لظاهرة التطرف والإرهاب. فالسيد ياسين استشهد بكتاب الكندي دونالد وينتروب المعنون ب"التطرف العقلاني:الاقتصاد السياسي للاتجاهات الراديكالية" ويطرح فيه نظرية عقلانية للتطرف والمتطرفين في بحثهم عن تحقيق المكاسب . وفي مقال الدخيل استند الى مقالين لأمريكيين احدهما يهودي هو جيسون ستانلي والآخر مسلم من أصل هندي هو فريد زكريا، وكلاهما يحاول الزج بالإسلام كدين تطرف متناسين الجذور الحقيقية لهذا التطرف . وبالتالي يرى الدخيل ان القلم رمز لحرية التعبير ولكن عليه ان يحتفظ برمزيته هذه للعقل وموازينه دون إهمال جوانب لجذور المشكلة التي تغيب عن القلم المتطرف أيضا. اذاً نحن أمام سياق كبير من محاولة الفهم العلمي للتطرف والإرهاب فعلى سبيل المثال يرى عالم النفس الشهير ادولف ادلر في كتابه فهم الطبيعة البشرية ان هناك محاولات عدة يقوم بها البشر في مسعى للتعويض عما ينقصهم وان لم يعترفوا بوجود عقدة للنقص عندهم، ولذا طور نظريته المعروفة بعقدة النقص وهي تصب في تفسير ظاهرة التطرف بوجود صراع داخل تلك النفوس المضطربة فهي تسعى لتحقيق القوة واكتساب البروز والشهرة. ولكن الجائع الى القوة دوما يسلك سبل الدمار. فالعظمة لا تعطي صاحبها رؤية الحقيقة فهناك عدم توازن مبكر. وهذا يظهر مبكرا في سنوات الطفولة عندما تفرض القوالب على الطفل دون مساحة للتوازن. فالطفل يتعلم تلقائيا ويظهر القوة بتقليد الكبار او إظهار الضعف ليساعده الكبار.أما الطفل المقولب فتتصارع بداخله تلك الرغبة في البروز والحاجة للقبول .ولذا يرى ادلر ان أصعب شيء على الإنسان هو فهم ذاته والأصعب هو تغيير الذات. وهو ما تعلمناه من المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام وسماه ب"الجهاد الأكبر – جهاد النفس". وهوجهاد نحو تحقيق الإيمان بالله قولا وعملا من خلال منظومة القيم التي جعلت من المسلم قدوة نفتخر بها الى ان ظهرت حركات التطرف لتسعى لاغتيال الخير بدواخل المسلمين. فالمسلم كما يقول رسولنا الكريم هو"من سلم الناس من لسانه ويده". وفي خضم هذا الطرح العلمي الكثير نحتاج الى ما يسميه دوبونو"التفكير الأفقي". وبالرغم من النقد الشديد لأفكاره إلا أن رؤيته في التفكير الأفقي تقودنا نحو إبداع علمي لتفسير ظاهرة الإرهاب والتطرف. وتقودنا الى بعض مستويات طرحه المتمثلة في تقديم البدائل للفهم وتحدي المسلمات والتفكير العكسي واستمطار الأفكار وتجميد الأحكام المسبقة. كل هذا يقود الى أين جماعات التفكير العلمي في الجامعات ؟ وكم من ميزانيات البحث العلمي خصص لدراسة تلك الظاهرة؟ أسئلة بسيطة تمثل رأس جبل جليدي من الهموم المجتمعية التي تحتاج الى تفسير علمي يقود الى معالجة خلل بات يزعزع ثوابت الامة ويمزق أطرافها وأبناءها.
مشاركة :