بدأت بعض الدول الاوروبية تشعر بمخاطر العائدين من وهم الجهاد مع داعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة. وتباينت مواقف الدول الاوروبية من العائدين وهم يحملون خطر نقل الإرهاب الى اوروبا. فبريطانيا - التي تعد ثالثة في ترتيب تلك الدول من حيث عدد الجهاديين بعد بلجيكا والدانمرك - بدت أكثر حزماً من بلجيكا والدانمرك، فاستعادت أحد قوانين العصور الوسطى والمعروف بقانون الخيانة العظمى للتعامل مع العائدين من مواقع التطرف. وهذا القانون الذي يعود الى عام 1351م يتم بحث تطبيقه على العائدين من وهم داعش والنصرة. والعقوبة سابقاً تحت هذا القانون هي الإعدام، ولكنه استبدل بالسجن مدى الحياة بعد اعدام بريطاني نشر دعاية نازية اثناء الحرب العالمية. وبالتالي فان دواعش بريطانيا اصبحوا امام خيار صعب إذا لم يتم استيعاب بعض صغار السن الذين وقعوا ضحية حماس الشباب وجهلهم. وعلى الجانب الآخر تبنت بلجيكا نموذجاً قريباً من النموذج السعودي المتمثل في برنامج الأمير محمد بن نايف للمناصحة، ويسعى هذا البرنامج البلجيكي الى توظيف علم النفس في تفكيك العقل الداعشي؛ لتحديد دوافع خروجه الى مواطن القتال. وتفكيك العقل الداعشي يعني تفكيك شبكة التغرير والاستدراج وهذا ما سيقود له مثل هذه البرامج الاوروبية. يقول المشرف على البرنامج النفسي الدكتور بيربن برلستن من جامعة ارهاس: لقد وضعنا برنامجاً باسم برنامج "ارهاس لتفكيك راديكالية الجهاديين"، وهو برنامج مناصحة وتهيئة وإعادة ادراج في الحياة العامة، فالشباب العائد من سورية والعراق دوما على شبكات التواصل الاجتماعي مع الذين نقلوا لهم رسائل التغرير والتطرف لندخل في ساحة يمكننا ان نلقي رسائل برنامجنا الذي يعيدهم إلى الحياة الآمنة. ولم تتوقف البرامج والدراسات والبحوث الاوروبية عن معرفة مسوغات التحاق الشباب الأوروبي بجبهة النصرة وداعش، فهناك من يرى أن أئمة التحريض هم السبب كما في السويد والنرويج، وبالتالي لا بد من العودة الى التعامل معهم كمحرضين على جريمة خيانة اوطانهم وتعريضها لخطر الإرهاب. وهناك من يرى ان نشر الصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم دفعت كثيراً من الشباب المسلم الى اخذ مواقف متطرفة من مجتمعاتهم الاوروبية كما في الدانمرك. وهناك من يردد ان ازدياد العنصرية الاوروبية ضد الأجانب - حتى وان كانوا مواطنين من غير أصول اوروبية - جعلهم عرضة لكثير من الأذى العنصري كما في بريطانيا وفرنسا، وهذه المواقف تجعلهم اكثر قابلية للانقلاب على مجتمعات تتشدق بالديموقراطية ولا تستطيع الخلاص من العنصرية على الأرض. وبالانطلاق من النموذج الأوروبي نجد أن هناك عدداً من الدول ستواجه المشكلة نفسها مع العائدين من هذه الحرب المجنونة، التي تستثمر فيها دول تدعم الإرهاب دماءهم في حرب مصالحها. ونحن نعرف ان كثيرين من شبابنا قد انقاد وراء هذا الوهم الذي حذر منه علماء الامة. فشبابنا غير معذور؛ لأنه يسمع من علمائنا الأكثر اعتدالا ووعيا بواقع الحال الذي يفترض ان يقتنصوا الفرصة للعودة عبر سفارات المملكة التي تؤمن لهم العودة الآمنة للوطن. فشباب اوروبا بدأ يعرف الخطر ويستمع الى رسائل مغايرة عن التحريض فعادوا، ولذا نجد الآن فقط في بلجيكا هناك اكثر من 30 عائدا وملتحقا في برنامج ارهاس السابق. ومثل هذا البرنامج يدعونا إلى تأمل تطوير برامج مناصحة رقمية تستدعي الشباب كما فعلت أوروبا. وكذلك الطموح ان تعمل الجامعات السعودية على برامج مشابهة من خلال كراسي البحث العلمي او من خلال ميزانية البحث العلمي. فالموضوع لا يحتمل التأخير، فهناك متطلبات ومحفزات للأمل في دفن ذهنية الإحباط في عقل المتطرف ليرى الصورة بتوازن عقلي، ومن خلال تقديم فرص الحياة الوظيفية والاسرية وغيرها مما يمحو قتامة المشهد والمستقبل في عقله؛ ليرى النور في نهاية النفق. فهذا الشاب التائه يعد خارجا من سجن سالب للحرية الفكرية مثل المجرم الخارج من السجن السالب للحرية الجسدية، فكلاهما يبحث عن فرصة للعودة للحياة، ومن دون بصيص الامل ستبقى فرصة عودته إلى الجريمة او التطرف هي المتاحة لغياب فرصة تحميه من شر نفسه وسوء عمله. "فالمرتاب لا دين له" كما قال اسلافنا منذ الازل.
مشاركة :