تتقارب العلاقة بين الصحفي والعالم في أوجه قليلة وتختلف بعد ذلك الى درجة الصراع. وعندما أقول ذلك فهي نتيجة لمتابعة مؤسسية في الدول التي تنتج ابحاثا علمية يخفق الصحفي في تقديمها للمجتمع. ولكن عندما يتم استيراد الخبر العلمي العالمي فلا نجد ذلك الصراع بسبب ان ذلك الخبر قد مر عبر القنوات العلمية للمؤسسة الإعلامية وبالتالي تتلاشى مبررات الصراع. ولكن الحال لم تعد كما قبل، فقد أصبحت مؤسساتنا العلمية تنتج بعض الأبحاث وتعرض بعض النتائج على المجتمع. ومع تطور مؤسساتنا البحثية تدريجيا لم تواكبها المؤسسة الإعلامية كما ينبغي بتخصيص محرر علمي ولو بصفة متعاون لمراقبة الصياغة العلمية للخبر. بل إن بعض الصحفيين خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي وبعيدا عن مؤسساتهم الإعلامية قد يتبنى ولو بشكل غير مباشر نتائج ابحاثنا الوطنية بنوع من السخرية. ولو ان هناك دراسات تحليل مضمون للأخبار العلمية المحلية في الصحافة المحلية لاكتشفنا تلك الطبيعة. فماذا حدث إذاً؟ أولاً عزوف الكثير من المؤسسات العلمية عن التعاون الإعلامي والاكتفاء بالنشر العلمي. ولكن عندما يتلقف الاعلام هذا الخبر العلمي تعمل الجامعات على الاستعانة بصحفي علمي ليقوم بصياغة أخبارها قبل تقديمها للإعلام المحلي. وهنا نكتشف ان المؤسستين الإعلامية والعلمية لم تعطيا الصحافة العلمية أي اهتمام حقيقي، والا لكان لدينا الآن عدد من الصحفيين العلميين الذين يقومون بواجبهم في الاستقصاء العلمي والخبري من زوايا التحري الدقيق والنقد المنصف. فالصحفي الحقيقي والعالم الحقيقي يتشابهان في بحثهما عن الحقيقة وعدم خوفهما من عرضها على الجمهور. ولكن هل كل ما يعلم يقال؟ قد يكون غير ذلك، فبعض الأبحاث العلمية لا تزال في طور التشكل والكشف العلمي لم تكتمل جوانبه. ولو تذكرنا تلك الاخبار العلمية التي توالت عقب استنسال النعجة "دولي" وان العلماء بعد سنوات قليلة تمكنوا من استنسال كائن بشري، كانت تلك الاخبار مفجعة حتى لتلك المجتمعات الغربية التي تعودت على اخبار الكشف العلمي الغريبة. ولا نذهب بعيدا ففي الأسبوع الماضي عندما اعلن عن الكشف العلمي الذي قام به كرسي الثديات بجامعة الملك سعود مع علماء من الولايات المتحدة اتجهت الأنظار الى الجانب الأمريكي وتم التشكيك في النتائج من قبل مؤسسات رسمية وافراد يعملون بها. وتطايرت الصحافة بهذا التراشق والتشكيك العلمي. ما يهمني هنا هو اين الصحفي العلمي الذي قام بواجب الاستقصاء العلمي ونشر الحقائق كما ينبغي لتعزيز مكانتنا العلمية او للكشف عن اخطائنا لنتعلم منها؟ يؤرقني هذا الغياب للصحافة العلمية في المملكة وأتمنى ان تخصص بعض ميزانية البحث العلمي لتدريب وتأهيل متخصصين في هذا الميدان, وان تسهم في هذا الجانب الجامعات بتبنيها عددا من العلماء فيها للقيام بهذا الجانب. وان تقوم المؤسسات الإعلامية بذات النهج حتى تصبح مؤسسات ناقلة للمعرفة لا صراعات الأشخاص حول المعرفة. وكذلك ان تقوم وكالة الانباء السعودية بواجبها المشترك مع تلك المؤسسات . أعتقد ان الصحافة الجامعية تستطيع المساهمة في هذا الجانب من حيث استقطاب وتدريب الصحفي المتخصص في الفيزياء والكيمياء والطب وغيرها من العلوم وان تم الاهتمام بتلك الصحف علميا. ولكن الواقع يقول غير ذلك فهي واجهات الى حد كبير اقرب لنوافذ العلاقات العامة منها للصحافة الحقيقية. فلا اكتملت المهنية فيها من خلال تدريب طلاب الاعلام، ولا انفكت من بعض ضغوط المؤسسة الاكاديمية لتتناول الموضوعات العلمية بشيء من المهنية العلمية. أتمنى ان تخرج ندوة الصحافة الجامعية في المملكة والتي تدور فعالياتها هذا الأسبوع في جامعة الملك سعود برؤية تعاون مع المؤسسات الإعلامية من اجل خدمة العلم وخدمة المجتمع .لا بد من الخروج من دائرة الشك بين الصحافة والمؤسسات العلمية خاصة من الدائرة التي يقال فيها "الباحث عن العلم عند غير اهله ظالم له" وفي الطرف الآخر الذي يقول "واضع العلم عند غير اهله ظالم له" .أما آن لحفلة جلد الذات علميا أن تتوقف؟ ربما.
مشاركة :