يُعد الغزو الفكري أشد وأخطر تأثيراً من الغزو بالسلاح؛ لأنه يلعب دوراً في تغيير الأفكار والقيم والمفاهيم بأسلوب تراكمي، وبطرق خفية لا شعورية، مما يدفع الفرد إلى ارتكاب أعمال إرهابية أو إجرامية، حيث إن فتنة الإنسان في دينه أخطر وأكبر من التعرض للقتل. ويُعد الإعلام بوسائله المختلفة ذا تأثير قوي، خاصةً إذا اُستخدم ضد الأفراد فكرياً، سواء عبر القنوات الفضائية والإنترنت والإذاعة والصحف، وإذا اختل الأمن الفكري لدى الفرد اختلت قيمه ومبادئه، فيغفل عن أهمية وحدة الجماعة واحترام وطاعة القيادات بمختلف مستوياتها بداية من الحاكم الأعلى، بل ولا ينتبه إلى خطورة العواقب الناتجة عن تفكك المجتمع واختراق وحدة صفه وطاعة ولاة أمره. إن مصادر تهديد الأمن الفكري متعددة، وتأتي أحياناً كثيرة من جماعات التطرف والتشدد الفكري ومثيري الفتن ودعاة الفرقة، مما يتطلب وجود استراتيجية أمنية واجتماعية متكاملة؛ للمساهمة في الحفاظ على عقول الشباب وغيرهم من الغزو الفكري، وتحصينهم ثقافياً من خلال المعلومات الصحيحة التي تزيد الوعي الأمني والثقافي، لإبعادهم عن الوقوع في الجريمة والخروج على الأنظمة والقيم والعادات والتعاليم الدينية السليمة، فالكل مسؤول عن حماية نفسه وأهله وليس فقط الأجهزة المعنية، نسأل الله أن يحمي بلادنا من كل سوء، وأن يحفظ لنا قيادتنا ووحدة صفنا وأن يديم علينا نعمة الأمن والإيمان. نحتاج إلى تعزيز قيم الاعتدال بينهم عبر برامج تطوعية مسؤولة يكونون فيها جزءاً من الحل لا المشكلة ولكي نحافظ على شبابنا من الوقوع في الفتن والمخاطر لابد من تعزيز القيم المعتدلة والانتماء الوطني في المجتمع، عبر برامج عملية، تدفع الشباب للتعرف على مجتمعهم عن قرب، والدخول في مشاكله، وأن يكونوا هم جزءا من الحل وليس من المشكل، كذلك لابد من فتح مجالات العمل المدني التطوعي أمام الشباب، مع مساعدتهم في الحصول على التراخيص اللازمة، وهو ما يضع طاقتهم في المكان الصحيح، كذلك سنجعلهم يتعلقون بوطنهم ويحافظون عليه، إضافةً إيجاد حوار إيجابي مع الشباب حول حقيقة المشاكل التي تعترضهم على أرض الواقع، مع محاولة اكتشافهم الحلول. انعكاسات سلبية وقال "د.عادل المكينزي" -أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود-: إن المتغيرات الحاصلة في العالم ذات تأثير على الواقع المحلي، والذي يؤثر في العالم الخارجي، ومع التقدم وثورة التقنيات المتوفرة نجد أن التغير العالمي اتجه نحو ما يسمي ب"العولمة"، الذي اختصر الحدود الجغرافية والسياسية والاجتماعية، وأصبح العالم عبارة عن "قرية صغيرة"، مما كان له انعكاسات سلبية وايجابية، مبيناً أن الأمن الفكري وفي مجتمع سعودي له هويته وخصوصيته من خلال تاريخ الزمان والمكان انعكس في وجود هذا القاسم المشترك، وأصبح البلد مستهدفاً بلاشك، خاصةً الشباب، منذ أن ضربت موجة العنف العالم ومنها مملكتنا، متمنياً مواكبة المتغيرات المتلاحقة، وبالأخص الخطاب الأمني للمجتمع، مشيراً إلى أن خطابنا للشباب يجب ألاّ يكون من الأعلى للأسفل، وكما نعلم أن أقوى أنواع الاتصال هو ذو الاتجاهين، مُشدداً على أهمية تجديد المتغيرات المتلاحقة التى نعيشها اليوم ومن ذلك أن يكون خطاب أكثر قُرباً للشباب وللشريحة التى تستهدف بشكل خاص. وأضاف: من خلال قراءتي للواقع لاحظت أن هناك معالجة لهذة المتغيرات من قبل المؤسسة الأمنية والمؤسسات ذات العلاقة، لكنها قد تحتاج إلى نوع من التطور مع المستجدات الحاصلة، مقترحاً أن يكون الخطاب على ثلاثة جوانب يتناول الوقائي في الأمن الفكري، من خلال الرسائل التى يجب أن تصل للمجتمع السعودي بشكل عام للتعريف بخطورة هذه الأفكار المنحرفة والمغالية في الإفراط أو التفريط، وكذلك التأكيد على تعزيز روح الوسطية بمعنى الالتزام بالحق دون غلو أو جفاء، إضافةً إلى إشاعة قيم الإسلام المتمثلة في سماحته وعدله. برامج عملية وأوضح "د.المكينزي" أن تعزيز القيم المعتدلة والانتماء الوطني في المجتمع السعودي لا يتم من خلال خطاب إنشائي، لكن من خلال برامج عملية تدمج الشباب بالقيم المعتدلة والانتماء الوطني لهذا المجتمع، مُشدداً على أهمية مبادرة المؤسسة التعليمية أو الإعلامية في طرح نماذج عملية تدفع الشباب للتعرف على مجتمعهم عن قرب، والدخول في مشاكله، وأن يكونوا هم جزءا من الحل وليس من المشكلة، وبالتالي يشعر الشاب أنه مشارك وليس مجرد متلق سلبي في هذا الخطاب المتبادل، مبيناً أننا نحتاج إلى خطاب معالج للقضايا المستجدة، وإيجاد الحلول لها من منطلق قانوني ونظامي وأمني، لافتاً إلى أنه من الأهمية التأثير عبر "الإنترنت" من خلال رموز المجتمع المحبوبين من الشباب، ومحاولة عرض وطرح الأفكار النيّرة والرائدة، وكذلك تعزيز جانب الحوار والتعرف على ما لديهم من أفكار وميول واتجاهات، وهذا لن يأتي من خلال خطاب استعلائي أو توجيهي، لكن من خلال حوار يتناسب معهم، في ظل وجود مساحة من الحرية. دور فاعل وتوقع "د.المكينزي" أنه بهذا الحراك والضبط سيكون لشبابنا دور فاعل وكبير مع مشاركة رموز المجتمع وأطيافهم، مضيفاً أنه من خلال معلومة وقدرات شرعية ثقافية تستطيع أن توصل الرسالة بشكل صحيح بعيداً عن مفهوم الأمور وقطع الحوار؛ لأن الطرف الآخر لديه أفكار مختلفة، ونحن لدينا هدف الوصول لهولاء الشباب من خلال أفكارهم، مبيناً أن لدى الإعلام نظرية الحاجات والإشباعات، فهناك حاجات لدى الشباب تدفعهم لهذة التصرفات، ذاكراً أن مشاكل الشباب كالوظيفة والبطالة والفقر والعلاج ربما تكون دوافع لهم، وينبغي أن نكون واقعيين معهم ونتحاور في حقيقة وجود هذه المشاكل على أرض الواقع، وأن هناك قصورا، مع محاولة اكتشافهم الحلول، مشيراً إلى أنه على المؤسسات المعنية بهذه الجوانب الحياتية أداء دورها الحقيقي، حتى يشعر الشباب أن له أثرا ايجابيا في هذا الوطن، مما يحد من نزعة التمرد، مؤكداً على أنها منظومة من العمل المشترك بين جهات متعددة وفق استراتيجية يجب أن تكون واضحة وقائية تعزيزية. سلوك وفهم وتحدثت "د.لبنى الأنصاري" -عضو مجلس الشورى وأستاذ بروفيسور في طب الأسرة بجامعة الملك سعود- قائلةً: نحن بحاجة ماسة إلى التغير في شتى مجالات الحياة، كذلك السلوك يجب أن يسبقه تغير في الفهم، والذي لن يحدث إلاّ بالحوار مع الطرف الآخر، حتى يصبح لديه قناعة بأهمية التغير واستعراض كل البدائل والتوجه بأهمية التغير، مبينةً أن الشباب يسمعون جميع الرسائل التى تصلهم لكن من طرف واحد، والنتيجة أننا بتنا نرى صورتين صورة لأشخاص رفضوها بشدة، وآخرين قبلوها بشدة، فغاب المشهد المعتدل، مضيفةً أنه من أجل اكتشاف الفئة الوسيطة يجب علينا أن نتقبل الأفكار لدى الشباب أيا كانت واخضاعها للنقاش والأخذ والرد واستعراض التجارب العالمية والإرث الديني والثقافي، بحيث ان الشباب عندما يصلون إلى قرارات تكون واضحة لديهم، مشيرةً إلى منحنى التوزيع الطبيعي في مفهوم الإحصاء وأن الأغلبية كلها تتكتل في الوسط، والأطراف تتقسم ما بين النتيجة السلبية والإيجابية، مُشددةً على أنه إذا أردنا أن نجعل الأمور تسير بعقلانية وبتلقائية سنصل بالجميع إلى الوسطية، لكن اذا ضغطنا عليها بشكل أو بآخر فإنها ستنحرف عن المسار الطبيعي. فراغ موجود وأوضحت "د.لبنى الأنصاري" أن الشباب السعودي لا يوجد لديهم نقاط ضعف بقدر ما أن لديه فراغات لم تُملأ بالشكل المناسب، مضيفةً أن المداخل الأساسية لهم يجب أن تكون من خلال جوانب متعددة تعمل على هدف واحد، وهذه الجوانب يشترك فيها التعليم بمختلف مراحله والإعلام والشؤون الاجتماعية حتى الخدمات الصحية، ومتى ما استطعنا توفير حاجات الطفل منذ بدايته بحيث ينشأ على الفطرة السوية ويكون مقتنعا بدينه وأنه لا يختلف عمن حوله سنجد مستقبلاً شباباً يستطيعون أن يدافعوا عن حقوقهم وحقوق الآخرين، لكن ربما أن النظرة الشمولية للأمور والتخطيط الموحد بحاجة إلى تقوية أكثر، مؤكدةً على اننا بحاجة ماسة لتوجه متعدد الجهات وأن يكون هناك تواصل جيد بين هذه الجهات شريطة أخذ آراء الشباب في كل شيء، مع التأكيد أن هناك جهودا موجهة لهم، لكن لم يؤخذ رأيهم فيها ولم يشاركوا في التخطيط لها وتقييمها، مشيرةً إلى أنه إذا أردنا وضع الأولوية في التغير، فإن الشباب هم الأهم؛ لأنهم أكثر فئة لخطر التعرض للتغرير، ولأن تجربتهم مازالت محدودة وقدرتهم على اكتساب المهارات والعادات الجديدة أكبر، بل هم المستقبل الحقيقي للوطن وسيكونون أصحاب القرار مستقبلاً، لذلك فالاستثمار فيهم مهم جداً. عمل تطوعي وقال "نجيب الزامل" -كاتب وحقوقي-: يجب من أجل الوصول للأمن الفكري السليم فتح مجالات العمل المدني التطوعي أمام الشباب، وتحويل طاقتهم للعمل التطوعي، مع مساعدتهم في الحصول على التراخيص اللازمة، وهو ما يُحقق أمرين مهمين أولهما وضع طاقة الشباب في المكان الصحيح لبناء البلد، وأن العمل التطوعي سيجعلهم يتعلقون بوطنهم والحفاظ عليه، مبيناً أن الجمعيات التطوعية لازالت محدودة، وأعداد الشباب في زيادة، وإذا لم نستطع إعطاءهم الفرصة لخدمة البلد فإنهم سيتجهون إلى مكان آخر، ذاكراً أنه من جانب أمني العمل التطوعي يجعلهم يعملون في النور وأمام أعيننا، مؤكداً على أن ذلك يُعد بمثابة صمام أمان للشباب، مشيراً إلى أنه يجب التركيز على الشباب في إشغال وقت فراغهم في العمل التطوعي ومعه سيرتفع الحس الأمني، مع استغلالهم في نشر المفهوم الأمني لدي أقرانهم والذي سيجد قبولاً من المتلاقين.
مشاركة :