طاقات الشباب بعيدًا عن التطرف والإرهاب | منى يوسف حمدان

  • 1/15/2015
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

أصبح خطر المنظمات الإرهابية اليوم في كل بقعة من بقاع الأرض غير منحصر في بيئة أو منطقة بعينها، منظمات شيطانية تعبر بفكرها الآفاق، تخطط بدهاء ومكر وباستخدام أدوات العصر المتطورة في وسائل التواصل الاجتماعي لتستقطب فئة هي الأغلى في كل مجتمع، إنهم الشباب، الأمل في بناء الأوطان. أصعب ما يمر على الإنسان في حياته أن يفقد أعز ما يملك، ثمرة فؤاده ونبض قلبه فجأة وبدون مقدمات يختطف ابنه بطريقة غامضة مبهمة، تأتي رسالة على جوال أو بريد إلكتروني لتُخبر الأب بالفاجعة، والتي تجعل الحليم حيرانا. هم يدّعون زورًا وبهتانًا بأن هؤلاء الشباب شهداء، ونحن نقول لا تُشوِّهوا صورة ذروة سنام الإسلام، فالجهاد في سبيل الله لا يكون على طريقة هؤلاء الشذاذ، وخوارج هذا العصر. لنتأمل بعقلانية وحكمة كل أركان الإسلام الخمسة التي لا تقبل إلا بضوابط، بدءًا من شهادة التوحيد التي تستلزم الطهارة والوضوء، وكذلك الصلاة لا تقبل بدونه، وصيام رمضان لا يكون إلا بعد رؤية الهلال، والزكاة لا تكون في مال إلا إذا بلغ النصاب، والحج لا يتم بدون إحرام ووقوف في المواقيت، وبالتالي لا جهاد إلا بإذن ولي الأمر. لنعمل عقولنا، كل شرائع ديننا تتم وفق منهجية وبتعاليم سماوية لا يحيد عنها إلا هالك. هؤلاء الشباب غُرّر بهم في غفلة من مجتمعاتهم، وتعرَّضوا لغسل أدمغتهم بمنهجية شيطانية، لا نملك لهم إلا الدعاء بالمغفرة والرحمة، وأن يربط الله على قلوب ذويهم، وأن يحمي شبابنا جميعًا من هذا الفكر المتطرف الخارج عن جادة الصواب. ولنحذر من أن نصبغ عليهم صفة الشهداء، لأن هذا المسمى له وقع على النفس المؤمنة التي تطمح للجنان. ما يحدث في أماكن الفتن والصراعات هو تشويه لصورة الإسلام والمسلمين، وتلك فتن يجب الحذر منها والابتعاد عن مواطنها. حري بنا أن نُشخِّص العلّة، ونستعرض على طاولة حوارنا في بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا وفي إعلامنا ما الذي حدث لفكر هؤلاء، حتى المتعلمين منهم والذين يعيشون في بيئات متحضرة ومثقفة، لديهم انحرافات فكرية ويتعرضون للخطف والتجنيد لهذا الفكر الإرهابي!. الشباب يمتلكون طاقات هائلة إن لم تُوظَّف بالطريقة التي ترضيهم، وتُحقِّق لهم ذواتهم، وتُشعرهم بأهميتهم، فسيسهل حينها للعدو المتربص بنا وبهم ليذهب بهم بعيدًا في عالم الخيال، ويُصوِّر لهم هذه الأعمال الإجرامية أنها بوابة العبور للمجد التاريخي ليكونوا أبطالًا ومجاهدين يُحقِّقون النصر للأمة. الشباب بحاجة إلى أصواتٍ قوية تُنادي بحُب الحياة والعمل من أجل عمارة الأرض، وفتح آفاق كبيرة للعمل المثمر والإنجاز الحقيقي الذي يشعر معه الإنسان بالفخر، ويلاقي التقدير المعنوي والنفسي الذي يصل به إلى حالة الثقة وتحقيق الذات، لأن بعضهم في حالة من التيه والضياع وقد وجدوا أنفسهم أمام طوفان هائل من قنوات التواصل الإلكتروني التي فُتحت عليهم من كل حدبٍ وصوب، ومن خلالها يتم تغذية الفكر بما يريد الطرف الخفي من تلك المنظمات، والذين يستهدفون أبناءنا وبناتنا أيضًا. في المقابل نحن مُقصِّرون، لأننا لم نُعلِّمهم كيف يُحبّون الحياة، كما علّمهم غيرنا حُب الموت وكراهية البقاء بيننا ومعنا لم نُعطهم حقّهم من الوقت الكافي للاستماع إليهم، ومعرفة ما يدور في عقولهم كما أننا حرمناهم من كثير مما يحتاجونه كأقرانهم في كل مكان، أين هي دور الترفيه البريئة، وقد لا تروق كلماتي لفئة من مجتمعنا، والتي مازالت تمانع في إقامة دور السينما وتشجيع المواهب الفنية الإبداعية، لا مسرح ولا معاهد متخصصة في تبني هذه المواهب. السينما أصبحت ضرورة مُلحّة وبضوابط، ولتكن قاعات منفصلة بعيدًا عن الاختلاط كما يُقال، وتحت رقابة مُشدَّدة، لأن شبابنا ينطلقون بسرعة خارقة في كل إجازة لدول الجوار من أجل هذه الأماكن، صالات التزلج والألعاب الترفيهية المتطورة كمدينة فيراري في أبوظبي وغيرها غاية ومطلب لكل شاب، ليقضي وقته ويستمتع بشبابه في أمور لا تسيء لأحد، ولا تنتهك حرمات أحد. نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقنا من جديد، ونتباحث فيما بيننا من أجل مستقبل شباب أغلى وطن، كل مَن له صلة بهم بدءًا من وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، وجمعية الثقافة والفنون، ووزارة الإعلام والثقافة، ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، كل هؤلاء وغيرهم من مؤسسات المجتمع المدني بحاجة لأن يجتمعوا لإعداد وثيقة وطنية لمواجهة هذا الطوفان من الفكر المتطرف. أعتقد بأننا في حاجة ماسة -من أجل الأمن الوطني- لأن تتكاتف جهودنا ونستقطب كل الطاقات الفكرية في كل القطاعات لنكون جميعًا مع وزارة الداخلية، فأمن الوطن ليس مهمة رجل واحد، بل جميعنا على ثغر من ثغور هذا الوطن الغالي. كل من لديه فكرة لإنقاذ شبابنا وفتياتنا من لوثة الفكر المتطرف لابد أن يُبادر بعرضها للجهات المختصة من أجل تفعيلها والعمل بموجبها، الأمر يتطلب السرعة وإعلان حالة الاستنفار لكل الأفكار النيّرة. كم أتمنى أن يقوم جيل الشباب أنفسهم بطرح أفكارهم ورؤاهم من أجل حماية أقرانهم من الاختطاف الفكري، لأنهم هم الأقرب لهذه الفئة العمرية، ويعرفون سبل التواصل معهم، وكيف يتسنَّى لنا إعادتهم إلى أحضان مَن يُحبّونهم. أمن واستقرار هذا الوطن مسؤوليتنا جميعًا. Majdolena90@gmail.com

مشاركة :