المؤكد أن ظهور الفئات التي تحمل ذلك الفكر المتشدد التي وجدت في تطبيق تعاليم الدين الاسلامي حسب مفهومها ميداناً خصباً لنشر بذور فكرها الحاقد ليست وليدة اليوم كما يرى البعض بل هي متقادمة منذ فجر الاسلام وكان لها الكثير من الممارسات المتشددة التي قد تصل في عنفها الى حد قتل الأنفس المحرمة شرعاً وليس أدل على وجود من يحمل مثل ذلك الفكر المتشدد ما حدث في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان ضحية لغدر أبي لؤلؤة المجوسي وهو أحد المسلمين حتى لو كان إسلامه ظاهراً فالله أعلم بما في القلوب كما تقول الكثير من الروايات التاريخية ثم تبعه في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه عبد الله بن سبأ الذي أسلم لكن بذور الحقد والكراهية كانت تختلج في أعماقه وهذا تحديداً هو المؤسس والمنظم للبذرة الأولى لفئة الخوارج الذين يحملون ذلك الفكر المنحرف حيث خططوا لقتل بعض الصحابة لكن الخليفة الراشدي الرابع علي رضي الله عنه كان الضحية الوحيدة حينها بعد أن فشلوا في تنفيذ الأخريين ومنذ تلك الفترة و( فكر الخوارج المتشدد الحاقد ) ينمو وتتسع دائرته ويتكاثر معتنقوه حتى أصبح في كل عصر من العصور الاسلامية لكن ذلك الفكر وجد الكثير من محاولات الإخماد من قبل بعض الحكام الوسطيين لكن محاولاتهم لم تطل الفكر بل اكتفت باستئصال بعض القادة من معتنقيه أما الفكر فما زال ينمو ويترعرع بين أحضان الأمة الاسلامية وذهب ضحيته مئات الآلاف من المسلمين وغير المسلمين لكن ذلك الفكر الارهابي في هذه المرحلة الزمنية تحديداً أصبح أكثر انتشاراً وأكثر خطراً يهدد الصورة الناصعة لسماحة وعدل ديننا الإسلامي الحنيف حيث ساهم في ذلك تلك الحداثة التقنية الهائلة التي نعيشها والتي أسهمت كثيراً في نشره على أوسع نطاق . ولعلنا من خلال المعطيات السابقة نستطيع القول إن مصدر ذلك الخطر الارهابي لا يكمن في الأفراد أنفسهم الذين أراهم يعدون ضحايا لذلك الفكر المتشدد كما أراه لايمثل حقيقة ديننا الحنيف بل يكمن في وجود الكثير من المعارف التي يتعلمها البعض من كتب التراث أو المدارس أوالمعاهد أو الجامعات أو من منابر المساجد أو حلقات الدعوة في العالم الاسلامي حين قام البعض من حاملي ذلك الفكر بوضعها وتعزيزها حتى وصلت الى اذهان الكثير من أبناء الأمة فأحدثت التغير والتغيير فنمت وانتشرت بنمو أعمارهم حتى أصبحوا شر خلف لشر سلف ومارسوا عملية التشويه حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم أما ديننا الاسلامي الحنيف دين الرحمة والعفو والسماحة والعدل والدعوة بالحسنى فلا تتمثل فيه تلك الممارسات الشاذة المنحرفة بل نراه حقيقة يتمثل بصورة جلية في سيرة حبيبنا وقدوتنا سيد البرية ومنقذ البشرية محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم الذي حثنا على القدوة الحسنة والمعاملة الفاضلة وممارسة كل القيم والمبادئ والسلوكات الفاضلة عند الدعوة ونشر الدين بالحسنى كما في قوله تعالى ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) وقوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وفي ديننا الحنيف آيات وأحاديث كثر تحث على هذا المبدأ العظيم في الدعوة لكن البعض أحدث الكثير في تلك التعاليم فتغير الكثير من الناس تبعاً لذلك. ومن هذا المنطلق أتوجه من هذا المنبر بالنداء إلى قادتنا في هذه البلاد الطاهرة وإلى قادة العالم الاسلامي وفقهم الله جميعاً أن يلتفتوا الى ذلك الفكر المتشدد فيسدوا منابعه المعروفة للقاصي والداني وأن يعيدوا صياغة تعاليم وقيم ديننا الحنيف بما جاء في الآيات الكريمات وصحيح الأحاديث الشريفة التي سنجد فيها حتماً ما يعيد لديننا الحنيف تلك الصورة الناصعة ويبرز للعالم في شتى البقاع أن ما يحدث هذه الأيام من ممارسات إرهابية شاذة منحرفة لاتمثل ديننا الحنيف بل تمثل البعض ممن انحرف بها واختطفها لتحقيق أهداف سياسية أو مذهبية أو طائفية . والله من وراء القصد .
مشاركة :