بدأت الأسر الأيزيدية في العراق باسترداد نسائها وفتياتها المختطفات من قبل التنظيمات المتطرفة التي ساقتهن كسبايا حرب في سوق الرقيق، لكن ذلك بعد أن عممت وسائل الإعلام مأساتهن بشكل صدم العالم وكرس الصورة الذهنية المشوهة عن الإسلام وعلاقته بالمرأة. وبحسب فيلم وثائقي نشر على قناة بي بي سي اشار إلى أن العائلات الأيزيدية المهجرة بدأت تستعيد بناتها مقابل دفع مبالغ تتراوح ما بين خمسة وعشرة الاف دولار، وقد عادت لأهلها حوالي 200 فتاة أيزيدية، بينما يقدر مجموع الأسيرات بحوالي 5000 طفلة وامرأة بدأت المنظمات الدولية في تنظيم حملات جمع التبرعات لاستردادهن. في الوقت نفسه انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لخطاب يشير إلى وجود فتيات سوريات يتيمات للزواج بمبلغ 2000 ريال، دريهمات معدودة ثمن بخس يوازي ثمن (الذبيحة) دون بقية متطلبات الوليمة ...بالطبع الأمر مفزع وصادم وأيضا خادش للوعي الإنساني. فهؤلاء الفتيات اليتيمات اللواتي تطوقهن المصائب وفجائع التشرد والغربة وغياب المعيل، كيف ينتهي بهن الأمر إلى أن يتحولن إلى سبايا معروضات في سوق بشعة تغيب عنها القيم المسؤولة ؟ وكيف يتم استغلالهن بهذه الصورة الرخيصة، عبر البعد الغرائزي فقط والتفكير المنحصر دوما في النصف الأدنى من الجسد؟ ولمَ لم يتطوع أي من أولئك الذين أدخلوا الصغيرات اليتيمات تلك السوق الموحلة (عبر خطاب يبدو أنه موقع من جهات رسمية) بفتح منازل لائقة لإيوائهن أفضل من مهانة المخيمات، أو لم شمل الأسر المتناثرة بين المنافي، أو تأسيس معامل تدريب داخل المخيمات تمرر للفتيات خبرة أو مهنة يدوية تعفهن وتكفكف أقدامهن الصغيرة المذعورة عن دروب الخنا والانحراف؟ إما أن يستجلبن بهذه الصورة المريبة .. ومن ثم بيعهن بصورة تخالف كل القيم والمواثيق الإنسانية والدولية، فهو أمر يندرج تحت جرائم الحرب، لاسيما أن لا أحد يعلم عن طبيعة الذين سيتقدمون لهذا العرض المغري .. قد يكون منحرفا .. أو كهلا عاجزا .. أو من أولئك المصابين (بالبيدو فيليا) وهو المرض الذي يجعل بعض المنحرفين سلوكيا يميلون لمعاشرة الأطفال، وتثير غرائزهم وجوه وأجساد الأطفال ، تماما كأولئك الذين أثارتهم رقصة فرح طفولية في مهرجان بريدة .. وإن كان مرض (البيدو فيليا) هو مرض وانحراف جنسي مصنف وموثق علميا حيث شخصت البرفيسورة يورغه بونستي من جامعة كريستيان ألبريشت الألمانية أن 70% من المصابين بهذا الانحراف الجنسي اتجاه الأطفال يكون لديهم نوع من الوسواس القهري ويحملون ميولا عدوانية تجاه المجتمع، وأيضا نسبة 50% منهم قد تعرضوا لخبرات سيئة في طفولتهم. الحالات المنحرفة أعلاه جميعها تحيلنا إلى السؤال الأهم حول السياق الذي خرجت منه تلك الممارسات وطبيعة الوعي الذي انتجها ؟ فهو بالتأكيد سياق ينمط صورة المرأة في بعدها المهين وهو أيضا على الغالب منطلق من نفسيات غير سوية وسلوكيات مضطربة، عاجزة عن مقاربة الحياة والمجتمع بشكلها الطبيعي المتوازن الذي تحركه قائمة من المثل المستمدة من الشرائع والقيم، قبل التورط في الهواجس والأفكار المنحرفة ضد الطرف الأضعف في المجتمع .. كالنساء والأطفال. وتبدأ المأساة عندما يصل ذلك النوع من السلوك المنحرف إلى خطابنا التشريعي والإداري والتنظيمي، فعندها نرى المبكيات المضحكات.. ليتداخل في خيارات النساء المستقلة حول اختيار مستقبلهن .. تعليمهن والفضاء الذي يتحركن به ووسيلة هذا التحرك، وطراز أرديتهن .. جميعها ستطوق بهواجس وشكوك وظنون غير سوية .. قد تفسد حياة الكثيرات.. وتعرقل مسيرتهن وتغلق نوافذ الضوء دونهن. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :