تطور صناعة النقل الجوي في حالة مُتغيّرة مستمرة لا تتوقف، وتزداد أعباؤها مع كبر حجم الناقلات وارتفاع أعداد المسافرين، ويزداد الطلب على الاحتياطات الأمنية ومعدات المراقبة والكشف عن المتفجرات وأي آلة تُهدِّد أمن وسلامة الطيران جوًا وأرضًا. الأجهزة الأمنية المستخدمة في المطارات والمراكز التجارية والدوائر الحكومية والفنادق وغيرها لم تكن معروفة قبل ثلاثة عقود من الزمن بالمستوى الحالي، وإن عُرفت فاستخدامها كان محدودًا جدًا في نطاق ضيّق حسب الحاجة، قبل ثورة الابتكارات التقنية الحديثة كان الاعتماد على الأفراد للقيام بالحراسة، ومع ذلك كانت في حدود ضيّقة وحسب الحاجة أيضًا. ونتيجة لموجة الاعتداءات على الطائرات ومرافق المطارات بغرض أخذ بعض الطائرات بركابها كرهينة للحصول على مبلغ من المال أو لإطلاق سراح -محتجزين- لدى دولة معينة. واستجابة لمتطلبات السلامة والأمن، بادرت صناعة الطيران المدني بدراسة إمكانية وجود آلات كشف على الأمتعة والركاب قبل صعود الطائرات، ونتج عن ذلك وضع إجراءات ومعايير دولية تم اعتمادها من مجلس منظمة الطيران المدني الإيكاو؛ ومنظمة الإياتا المعنية بشؤون شركات الطيران. زيادة عدد الاختراقات الأمنية في مجال النقل الجوي، دفعت الدول من خلال منظمة الطيران المدني الدولي للبحث عن إيجاد تجهيزات كشف على الركاب وأمتعتهم قبل صعود الطائرة، للتأكد من عدم وجود أسلحة أو متفجرات مع الراكب أو في العفش التابع له، ومن تلك الإجراءات التأكد من ضرورة أن يكون الراكب وعفشه على نفس الرحلة للحيلولة دون وضع متفجرات في العفش، والتأخر عن الإقلاع في نفس الطائرة، مثل ما حصل في حادثة لوكربي الشهيرة التابعة لشركة طيران بان أمريكان، التي انفجرت في الجو وسقطت في لوكربي باسكتلندا، والتي كان مخطط لها أن تسقط في البحر وتضيع معالم الجريمة. بعد الحادث مباشرة، دعا مجلس الأمن للتحقيق في الحادث، وكلّف منظمة الطيران المدني -والتي بدورها دعت لاجتماع على مستوى وزراء النقل أو مَن يُمثِّلهم- للبحث في القضية، وإيجاد حلول تحول دون تكرار تلك الاختراقات الأمنية المفجعة والمكلفة في نفس الوقت، وبعد التأكد من أن الطائرة أسقطت بمتفجرات بلاستيكية مُصنَّعة في دولة التشيك، تم وضعها في أمتعة أحد الركّاب الذي لم يكن على نفس الرحلة، شكّل المجلس لجنة خاصة مكونة من خبراء دوليين من عدد من الدول الممثلة في مجلس المنظمة الدولية للطيران المدني، وعضوية منظمة الإياتا، ومجلس المطارات الدولية. استمر البحث سنوات، وفي نفس الفترة استغلّت الشركات الصانعة الفرصة وبادرت في تطوير أجهزة كشف دقيقة للمتفجرات البلاستيكية توضع في كل مطارات العالم وكل المرافق التي تحتاجها، حتى وصل حجم الصناعة في تلك الأجهزة إلى مئات المليارات من الدولارات، والمستفيد الأكبر منها المصانع الغربية في أوروبا وأمريكا، مع ضمان الاحتكار لمنتجاتها وقطع الغيار والتدريب عليها، ومع مرور الوقت أصبح وجود تلك الأجهزة إلزامي في كل الأماكن المهمة، وعلى رأسها مرافق صناعة النقل الجوي العالمية، والمراقب لتطورات التقنية يدرك مدى تأثير الطيران المدني على الصناعة في شتى المجالات من حيث الكم والنوعية والدقة والجودة، والمستفيد الأكبر من ذلك الشركات الصانعة في الدول المتقدمة تقنيًا وصناعيًا، وباقي دول العالم مُجرَّد مستهلك يدفع الثمن. موجة الإرهاب التي تصاعدت في السنوات الأخيرة، كثّفت الطلب على معدات الأجهزة الأمنية، ومصانع تلك الأجهزة ازدهرت بذلك التصاعد، وليس من المستبعد أن العامل الاقتصادي له علاقة بتهويل حجم الأخطار الإرهابية، لدرجة أن سياسة بعض الدول هي المُحرِّك الرئيس لصناعة الأجهزة الأمنية والترويج لها، بل وفرضها في بعض الحالات. هذه لمحة سريعة عن بعض ما أدى إليه الإرهاب، والفوائد التي تجنيها الشركات الصانعة في الدول المتقدمة تقنيًا، التي فرضت على العالم الأجهزة الخاصة بالأمن، وشرّعت لاستخدامها حتى أصبحت من ضرورات النقل الجوي والكثير من جوانب الحياة والحركة في معظم المرافق العامة والخاصة في العالم. Salfarha2@gmail.com
مشاركة :