أدت حرب رمضان/ أكتوبر 1973 التي استخدم فيها العرب «سلاح النفط» لمساندة المجهود الحربي للجيشين المصري والسورى لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967، خاصة بعد الجسر الجوي الأمريكي من السلاح والعتاد لإسرائيل، أدّت إلى كثير من التداعيات، فقد أثر الحظر النفطي على الولايات المتحدة وبعض دول غربية أخرى بشكل فورى على مدفوعات الشركات في أوبك، وتضاعفت أسعار النفط أربع مرات بحلول عام 1974 إلى نحو 12 دولارًا للبرميل الواحد. ونشأ ما عُرف بـ»أزمة الطاقة» التي أدّت إلى زيادة الاهتمام بمجال الطاقة المتجددة، وحفز البحث في الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، كما أدّت إلى زيادة الضغط لاستغلال أمريكا الشمالية من مصادر الطاقة النفطية، وزاد الغرب من الاعتماد على الفحم والطاقة النووية، وغيرها من مصادر الطاقة البديلة. *** وقد كان رد الفعل الأمريكي على معركة النفط العربية آنية.. ومستقبلية. أمّا الآنية فكانت الضغط لإقناع مصر، والدول النفطية المعنية برفع الحظر النفطي، بل كشفت وثائق بريطانية عن أن الولايات المتحدة فكّرت في استخدام القوة للاستيلاء على حقول النفط في الشرق الأوسط أثناء حرب أكتوبر 1973، عندما حظرت الدول العربية صادرات النفط. وقد نجح وزير الخارجية الأمريكي هنري كسينجر -آنذاك- بإقناع السادات لإقناع دول النفط برفع الحظر النفطي الذي تم رفعه في 17 مارس 1973 باستثناء ليبيا التي لم ترفع الحظر. وكان لهنري كيسنجر بكل نفوذه المعروف في إدارة الرئيس نيكسون برأيه المتفق مع رأي نيكسون خطة لاختراق الجبهة العربية، أدّت إلى إخراج مصر من دائرة الصراع مع إسرائيل، ليس هنا مجال بحثها، لكنها قادت في رأينا إلى كثير من التداعيات الحادثة في منطقتنا العربية اليوم. *** وقد وضع كيسنجر عددًا من الأهداف لتحقيقها من خلال مفاوضاته مع أطراف النزاع العربي - الإسرائيلي آنذاك وهي، كما سجلها الكاتب محمد حسنين هيكل في كتابه الجديد «أكتوبر 73.. السلاح والسياسة»: 1) حماية وضمان أمن إسرائيل. 2) كيسنجر قد لا يوافق على توسيع إسرائيل حتى الخطوط التي احتلتها حتى 5 أكتوبر 1973، لكنه لا يوافق على عودة إسرائيل إلى خطوط ما قبل 5 يونيو 1967. 3) استمرار تدفق البترول دون انقطاع، وبأسعار معقولة. 4) إعادة تثبيت النفوذ الأمريكي كاملاً ومنفردًا فى المنطقة. 5) طرد الاتحاد السوفيتي من المنطقة بالكامل، بادئًا بإخراج السلاح السوفيتي منها. على أن تقوم بهذه المهمّة القوى المحلية من دول المنطقة. 6) بدء مفاوضات مباشرة بين العرب وإسرائيل، عسكرية عسكرية، وسياسية سياسية، وغدًا اقتصادية اقتصادية، وذلك لكسر الحاجز النفسي، الذي يمنع العرب من التعامل مع إسرائيل. 7) التعامل مع أزمة الشرق الأوسط مع كل دولة على حدة بعد عزلها، والانفراد بها بعيدًا عن الآخرين. (ما يُسمّى بخطة الخطوة خطوة). *** ورغم تخطيطها لضمان استمرار تدفق النفط العربي، عملت الولايات المتحدة في نفس الوقت للاستفادة من تجربة الحظر النفطي في وضع إستراتيجية طويلة المدى لتقليص الاعتماد على النفط العربي بالتدريج، بإيجاد مصادر بديلة من مناطق «آمنة»، كما دعتها، وتطوير بدائل تحل محل النفط على المدى الطويل، حيث لعب كسينجر دورًا رئيسًا في إنشاء الوكالة الدولية للطاقة لتكون تجمعًا للمستهلكين في موازاة تجمع المنتجين الذين تضمهم منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك). * نافذة صغيرة: (إذا سيطرت على إدارة النفط فإن بمقدورك إدارة الأمم (الدول)، وإذا سيطرت على الطعام فستتمكن من السيطرة على الناس).. هنري كسينجر nafezah@yahoo.com
مشاركة :