كل طرق إيران للتغلب على العقوبات الاقتصادية الأمريكية أصبحت مكشوفة أمام العالم، حيث كشفت العديد من التقارير عن أساليب وطرق إيران للتلاعب والإفلات من العقوبات، ففى تقرير للباحث فراس إلياس عن «مركز العراق الجديد» أكد أن إيران تدرك القيمة الاستراتيجية العليا للأذرع المسلحة فى منطقة الشرق الأوسط، ويخطئ من يظن أن وجود هذه الأذرع هو من أجل تغطية الشواغل الأمنية لإيران فى المناطق التى لا تستطيع التواجد فيها بشكل مباشر، بل إن الغاية الأساسية لوجودها هى القيام بمهمات شاملة بحسب الرؤية التى يمثلها صانع القرار السياسى فى إيران.فكان وجود هذه الأذرع المسلحة – والتى منها ميليشيا الحوثى باليمن وحزب الله فى لبنان والزينبيون فى باكستان وغيرها - هو بمثابة اليد الطولى لإيران، للوصول إلى مناطق التأثير الجيوسياسى المؤثر بالأمن القومى الإيراني، فكما مثلت هذه الأذرع بمختلف تلوناتها الأيديولوجية والمذهبية والطائفية متنفسًا للأزمات الأمنية الإيرانية، فهى تمثل اليوم الحصان الذى يمكن أن تمتطيه إيران لتجاوز تحدى العقوبات الأمريكية عليها.مستويات استراتيجية بعد دخول الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ فى يوم ٤ نوفمبر ٢٠١٨، تتطلع إيران لقيام هذه الأذرع بالمهام المرجوة منها، للتخفيف من حدة هذه العقوبات عليها، إذ تتراوح الوظائف التى يمكن أن تقوم بها هذه الأذرع بأربعة مستويات استراتيجية هي:الأولى: تسخير المقومات الاقتصادية الأساسية فى البلدان التى تتواجد فيها، وذلك من خلال تنشيط عمليات تهريب العملة الصعبة والمواد الغذائية إلى الداخل الإيراني، إلى جانب تنشيط عمليات التهريب من الداخل الإيرانى إلى الخارج، وهنا تبرز الميليشيات المسلحة فى العراق كمثال على ذلك، والتى تسيطر على الكثير من المصادر الاقتصادية فى العراق، وتحديدًا فى مناطق الجنوب العراقي، فضلًا عن تأثيرها على وزارات بعينها، تمثل قيمة كبيرة لصانع القرار الإيراني، والتى يأتى على رأسها وزارة النقل والمواصلات، هذا بالإضافة إلى تحكمها بعملية دخول البضائع إلى الأسواق العراقية، وذلك من خلال العلاقات الجيدة التى تربطها مع تجار الجملة، بحيث جعلت الأسواق والمتاجر العراقية غارقة بالبضائع الإيرانية، لتأتى عملية نفوق مئات الأطنان من الثروة السمكية فى العراق، والتى جاءت مترافقة مع دخول العقوبات الأمريكية على إيران، لتضيف مدخلًا آخر لتوريد البضائع الإيرانية إلى الداخل العراقي.الثانية: عرقلة جهود الدول الأخرى لسد الفراغ الذى ستخلفه العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة الإيراني، وذلك من خلال استهداف طرق إمدادات الطاقة والشحن البحري، ويبرز الحوثيون هنا كمثال على ذلك، إذ نجح الحوثيون فى القيام بهذه الوظيفة خلال الفترة الماضية، خصوصًا فى إطار استهداف طرق شحن الطاقة عبر البحر الأحمر وخليج عدن، هذا إلى جانب تنسيق الجهود مع حركة «الشباب المجاهدين» الصومالية لتحقيق أغراضها الاستراتيجية فى النفاذ من كماشة العقوبات الأمريكية، حيث صدرت العديد من التقارير الأممية الخاصة بفرض عقوبات على الحركة منذ العام ٢٠١٢، والتى أشارت بمجملها بأن إيران تستغل الحركة فى أنشطتها الإرهابية التى تضر بأمن البحر الأحمر، ومن هذه الأنشطة قيام إيران بتوظيف الحركة فى تهديد الملاحة البحرية الدولية بصورة عامة، والأمريكية بصورة خاصة، من أجل إجبار الولايات المتحدة الأمريكية على نقل جزء من أسطولها البحرى المرابط فى مضيق هرمز إلى هناك، لإعطاء هامش بسيط للقيام بعمليات تهريب الطاقة عبر المضيق، بعيدًا عن المراقبة الأمريكية.الثالثة: إنتاج فوضى أمنية – إقليمية قد تصل إلى حرب فى المنطقة، وذلك من خلال افتعال الأزمات التى قد تجبر الولايات المتحدة الأمريكية على الانشغال بها، وتخفيف الضغط عليها، ويبرز هنا حزب الله اللبنانى كمثال على ذلك، إذ استطاع الحزب وعبر مراحل عديدة إلى القيام بدور مهم فى التنفيس عن الضغوط المفروضة على إيران، وهو ما تدركه إسرائيل بالمقابل، حيث إن الهدوء النسبى الحاصل على الساحة السورية، بفعل الترتيبات التى أفرزت عنها التسويات السياسية الأخيرة، برعاية الروس والأتراك وفرنسا وألمانيا، إلى جانب تعثر جهود تشكيل حكومة جديدة فى لبنان، تجعل البيئة السياسية فى لبنان مهيئة لحرب مباشرة، قد يقوم بها الحزب فى المستقبل القريب، خصوصًا إذا ما أفرزت العقوبات عن تداعيات خطيرة فى الداخل الإيراني.الرابعة: أدوار وظيفية داخلية، وذلك من خلال تهيئة أرضية اجتماعية-اقتصادية للتنفيس عن الأزمة الإيرنية الحالية، ويبرز دور ميليشيات زينبيون فى باكستان وفاطميون فى أفغانستان فى هذا المجال، إذ تدرك إيران أهمية هاتين الميليشيتين فى تسهيل عمليات تهريب المخدرات وجمع التبرعات وتهريب العملية الصعبة، وتسخير الأقليات «الشيعية» هناك فى عملية التعبئة الاقتصادية فى توريد البضائع المهربة عبر المناطق الحدودية القريبة.أذرع اقتصاديةتمكنت إيران وخلال الفترة الماضية، من جعل هذه الأذرع وغيرها إمبراطوريات اقتصادية عملاقة فى داخل الدول التى تتواجد فيها، بحيث يمكن أن تسد الحاجة الإيرانية من العملة الصعبة خلال الفترة المقبلة، فضلًا عن نجاح الحرس الثورى الإيرانى فى القيام بعمليات غسل الأموال فى العديد من هذه الدول التى تتواجد فيها أذرعا مسلحة موالية لإيران، وهو ما يزيد من فرص رهان إيران عليها فى المرحلة المقبلة.إذ نجح الحرس الثورى الإيرانى وعبر «فيلق القدس» الذى يقوده قاسم سليماني، من نسج علاقات اقتصادية مع هذه الأذرع، بحيث تكون حامية للمصالح الاقتصادية الإيرانية فى البلدان التى تتواجد فيها، فعلى سبيل المثال تمتلك «مؤسسة خاتم الأنبياء» التابعة للحرس الثورى الإيرانى العديد من الفروع فى داخل العراق ولبنان واليمن وباكستان وأفغانستان، والعديد من الدول الأفريقية، من خلال إنشاء العديد من الأوقاف والشركات المساهمة، والتى يقودها عناصر أمنية مرتبطة بفيلق القدس.كما يمتلك الحرس الثورى الإيرانى وبمساعدة الأذرع المرتبطة به العديد من الشركات الاقتصادية الكبرى، مثل «شركة الكوثر وشركة مبنا وشركة تك إيستا جنوب وشركة أيمن سازان»، والتى تعتبر من أبرز شركات المقاولات الإيرانية فى العراق ولبنان وسوريا، والتى تديرها الأذرع الإيرانية المسلحة هناك.
مشاركة :