نجح المشروع الإيراني في العراق، كما نجح في اختراق الامن القومي في لبنان من قبله، ويبدو انه ينجح في سوريا، ولكنه يبدو انه انتهى او في طريقه الى الانتهاء في اليمن، ولكن ما يهمنا في هذا السياق هزيمته الكاملة في البحرين، حيث سوف يكتب المؤرخون بعد سنوات قليلة في أحد فصول كتاب (المؤامرة على البحرين) عن فصل بعنوان هزيمة إيران في البحرين، وسوف يكون عنوان هذا الفصل على الأرجح: هزيمة إيران في أوال. ولن نكرر هنا ما هو معلوم بين عامة الناس من ان إيران وفي إطار جهدها التوسعي المستند إلى خلطة من الأيديولوجيا والخرافات والأطماع والمقت لكل ما هو عربي، قد أعجبها نجاح رهاناتها في كل من العراق ولبنان عبر الاختراق السياسي والأيدلوجي والمالي والإعلامي فأرادت - بعد ان هيأت مسرح العمليات بالتدريب والتحريض والتعبئة والتمويل - ان تدفع بالمغامرين في البحرين لانجاز الانقلاب في الزمن العربي والدولي الأكثر ملاءمة، وفي الزمن الأمريكي الأكثر انكفاء وضعفاً بسب الورطة في كل من العراق وأفغانستان وبسبب الأزمة المالية وتداعياتها غير المسبوقة. لقد كانت طهران تؤمل ان هذه الهجمة المنسقة مع الأحزاب الطائفية في العراق ولبنان والبحرين وما تمتلكه من موارد ضخمة، ومع التواطؤ الأمريكي - بكافة ملابساته المعروفة - سوف تنجح في إيصال اتباعها الأيديولوجيين إلى السلطة إذا ما اتبعوا الإرشادات والنصائح المحددة في دليل الإرشادات الإيراني وفي دليل الاستخدام التابع لمرجعية الفوضى الخلاقة، وما استفادوه من تدريبات عابرة للقارات في المجال الإعلامي وفي المناورة السياسية. واللعبة الإيرانية لم تكن جديدة، ولكن الفرق هذه المرة أنها كانت علنية وصريحة وواثقة من نفسها ومن أتباعها في المنطقة، ولا تتورع عن فعل أي شيء، لأنها أمام مصالحها التوسعية في المنطقة لا تستند لأي قيم، وأطماعها بلا حدود، من العراق وسوريا ولبنان وغزة إلى أفغانستان ومصر والمغرب العربي، فقد سبق لإيران ان شجعت المتشددين في العراق على الانخراط في تنظيم القاعدة فنجحت في قتل الشعب العراقي بأموال وأسلحة أغدقتها على تنظيم القاعدة، ودفع النظام العراقي الحالي باتجاه أبعاده عن الجسد العربي، وفي هذا الإطار انكشفت لعبتها العنكبوتية في مساندة محاولة الانقلاب الفاشلة في البحرين في 2011م، عندما نجحت القيادة والأغلبية الساحقة من الشعب في إحباط ذلك وعندما أدركت دول الخليج العربي حقيقة الأمر وحجم التآمر والتورط الإيراني، فتحركت لإيقافها، نتذكر في هذا الإطار، ما تعرضت له الأصابع الإيرانية من طرد من عدد من البلدان العربية لذات الأسباب.. ان هذه الأطماع لم تكن خافية، خصوصا بعد التحوُّل الذي أحدثته ثورته الإسلامية لأن الحكام الجدد قد كشفوا عن طموحاتهم وأطماعهم التوسعية عبر شعار تصدير الثورة، وجرى وضع المخططات وتوزيع الأدوار من خلال نسج توجُّه أيديولوجي مبني على إثارة النعرات الطائفية وتغذية العداء للأنظمة العربية، فطوال العقود الثلاثة الماضية تمت تغذية هذا التوجُّه بمد فكري وديني منغلق وطائفي، بالمال والدعم الإعلامي والتدريب ليتولى بالنيابة عنها تحقيق تلك الأهداف التوسعية، وسط غفلة من دول المنطقة، التي لم تتصدَّ لهذه المخططات التي وضحت خطورتها وإفرازاتها المأساوية في كل الدول العربية، وبخاصة ما جرى في البحرين، وقبل ذلك في العراق ولبنان، وحتى في شمال اليمن، إضافة إلى إنشاء بؤر ومراكز لنشر الفكر المرتبط بنظام طهران في دول عربية عديدة من الشرق إلى الغرب العربي. وإذا كان المخطط قد انكشف واندحر اليوم، فان ذلك لا يعني انه انهزم نهائيا، فسوف يرجع إلى الأرجح بأساليب أخرى لاختراق المنطقة والإطباق عليها، ولذلك فان الحذر واجب، فمنذ فترة ليست بالبعيدة أدعى حجة الإسلام علي اكبر نوري رئيس التفتيش العام في مكتب قائد الثورة الإيرانية - تبعية البحرين لإيران، باعتبارها المحافظة الرابعة عشرة (هكذا!!!)..جاء ذلك في خطبة رسمية حماسية ألقاها بمناسبة الاحتفال بانتصار الثورة الإيرانية. وقد سبقه في تكرار نفس الدعاوى العديد من المسؤولين الايرانيين في خطب وفي مقالات منشورة، حبرت بكل أناة وهدوء (مثال ذلك في يوليو 2007م، وبدون أن تكون مناسبتها ثورية تبيح الخروج عن النص، نشرت صحيفة كيهان الإيرانية (شبه الرسمية)، افتتاحية للسيد حسين شريعتمدارى مستشار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، قال فيها بالحرف الواحد: إن البحرين جزء من الأراضي الإيرانية، وأنها انفصلت عن إيران اثر تسوية غير قانونية بين الشاه المعدوم وحكومات الولايات المتحدة وبريطانيا، وان المطلب الأساسي للشعب البحريني حاليا هو إعادة هذه المحافظة إلى الوطن الأم والأصلي. بل وكيف سيبرر هؤلاء المحاولات المستميتة لدعم الإرهاب والتحريض والعمل على ادخال وتهريب الأسلحة والمتفجرات الى البحرين للنيل من استقرارها وامن شعبها والمقيمين على ارضها؟؟ همس يقول المفكر الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي في محاضرة ألقاها في جامعة الكويت في 20 مارس 2011م تحت عنوان موجة التغيير الشعبي في الوطن العربي جمعتني سنة 2002 جلسة مع السيد محمد باقر الحكيم في طهران، فبعد ان ألقيت محاضرتي في النادي الدبلوماسي بطهران، عدت إلى الفندق لأستقبل اتصالاً هاتفياً من الحكيم الذي استضافني وأخذني إلى بيته، فأغلق الباب والشبابيك، وقال لي: يا عبد الله أنا أحس ان الإيرانيين قد اضطهدونا، فطلبت منه ان يخفض صوته لئلا يسمعه أحد وقلت له: نحن نعتبركم في الوطن العربي عملاء لإيران. فقال: يا ليت يعاملوننا كعملاء، أنهم يذلوننا لأننا عرب، وقد اكتشفت بأنهم يتعاملــون معنا كفـــرس، والتشيع بالنسبة لهــم مجــرد حصان طروادة لاختراق العالم العربي.
مشاركة :