البنية المنطقية الأساسية للبرامج التلفزيونية اختفت قامتها العالية وضوؤها الباهر في خضم العروض الفقيرة والكوادرالمتواضعة من حيث الثقافة والمعرفة ولم تساهم وظائفها في تطوير التقنيات التفاعلية مع ظهورالإنترنت والأجهزة الرقمية والذكية. إن التطورالذي يواكبه الفرد اليوم يستدعي مراحل مختلفة تعني بالثقافة والتعليم والترفيه والمتعة وتحافظ على التنوع وتفرض الطرق العلمية التي تضخ المعلومات إلى المؤسسات الإعلامية وتركز على دورالتلفزيون لما له من أثر كبير في حياة الناس. لهذا فإن أشكال التفاعل بعد الثورة الصناعية في العالم نهضت بالمستوى الثقافي للفرد ورفعت من قيمة التعاطي سواء على الصعيد الإعلامي أوالظواهر المصاحبة له، وتم استيعاب خصائصه التفاعلية ليتمكن كل شخص من المشاركة والانتشار والحركة والمرونة والتخزين والحفظ. وهناك إلى جانب هذه المنظومة التقنية الإعلامية مسائل لاقت رواجاً كبيراً حيث تم نشر القضايا التي تهم الشارع وأصبح الحراك واضحاً، ولكن تنقصها الكوادر المؤهلة والمتخصصة التي تصل إلى المستوى الذي يليق بجميع فئات المجتمع، فكانت فحوى الخطاب متهالكة شعبوية بحجة الرأي العام ليتم التنصل من المفردة رفيعة المستوى وبلاغة اللغة ليأتي ذلك على حساب فئة أخرى نخبوية تنتظر إعلامياً متخصصاً يعطي ثقلاً للقضية والمكانة التي يمثلها ويخاطب الناس من منبرها. إن العروض تحتاج إلى وسائط إعلامية جديدة وبديلة للإعلام التقليدي الآحادي وتتجرد من القوائم القديمة ومن التبعية، وأيضاً تبعد عن السطحية التي ترفع من شأن الجاهل الذي يجهل قيمة المنتج ويستغل ظهوره لإسقاط نظرياته لضمان حضوره وتحريك آلية غير موفقة لا تحقق سوى فكر مبطن يعارض الصالح العام. فمن ضمن ما جاء عن الثورة العلمية في تكنولوجيا الاتصالات وثورة أليكترونيات التي مكنت من غزو الفضاء وقدمت خدمات جليلة في القرن العشرين للإنسان المعاصر وثروة معلوماتية هائلة، إلا أن هذه الثورة لن تكون بديلاً عن وسائل الإعلام الرئيسية في العالم، ويجري الحديث أيضاً حول تأثيرها على الدول والمجتمعات على حد سواء وساعدت على الارتقاء بمقومات الحياة وكشفت العالم وظواهره المختلفة ووفرت بيئة جديدة للكائن البشري وخلقت نوعا جديدا أيضاً من الذكاء التقني والبشري. لذلك يجدر بنا القول أنه عندما يرتفع مستوى ذكاء وثقافة الفرد لابد من مراعاة مكانة الأذواق وارتفاع درجة الدخل وتقديم ما يليق بالعصر والتطور وإعادة النظر في الموارد البشرية الإعلامية والأخذ بعين الاعتبار أثر نمو التقدم التقني وتركيز نظريات التفوق التكنولوجي،في تحديد نمط الحياة الاجتماعية المعاصرة والمزايا النسبية المكتسبة. وعلى هذا الأساس نوجه رسالة إلى القائمين على الإعلام الرسمي والفضائيات الأخرى المملوكة لسعوديين اختيارالفرد الذي يظهر على الشاشات وكيف تتوفر فيه شروط الإعلامي المثقف فضلاً عن تعزيز مؤهله العلمي العالي، واعتبار العمل الإعلامي رسالة فكرية ثقافية نبيلة سامية تعكس ثقافة البلد وتطوره وليس وظيفة تؤمن المادة فقط، إن الجميع يبحث عن جودة عالية وليس مقدمي برامج تم تعيينهم بالواسطة والمحسوبية وتقديم برامج متواضعة المستوى وفقيرة القدرات. ومن تلك المقتضيات التي دفعت الإنسان بالبحث عنها ثم وجدها كوسيلة أقوى للخروج من الركود إلى تسارع التبادل الفكري والتواصل الفعلي بين الشعوب، وفي تقدير غابريال تارد الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي، أن الاعتدال: منزلة وسطى بين الإفراط والتفريط وهي دالة على القوة إن كان الإفراط عنفاً، والتفريط ضعفاً، وهي دالة على النقد البناء إن كان الإفراط والتفريط تسليماً آلياً.
مشاركة :