يمثل نمو الإنتاجية المتراجع عقبة أخرى في هذا الصدد. فاقتصادات آسيان الأكثر تقدما بدأت تفقد بعض ميزاتها التنافسية في ظل ارتفاع الأجور. وفي الوقت نفسه، يؤدي رواج الأتمتة والروبوتات إلى خفض الطلب على العمالة الأقل مهارة؛ وستشهد الصناعة التحويلية تراجعا في العدد الذي تتطلبه من العمالة ذات المستوى التعليمي الأفضل. وحتى تتجاوز المنطقة مرحلة الدخل المتوسط، ينبغي أن تمتنع عن الاعتماد على نموذج النمو الحالي، الذي يرتكز على الصناعة التحويلية كثيفة العمالة الموجهة للتصدير. وتجد مظاهر التقدم في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي فرصا جديدة، لكنها تحمل معها تحديات إضافية أيضا. وستحتاج العمالة إلى التعليم والتدريب للاستعداد لوظائف العصر الرقمي. كذلك ينبغي للحكومات تحسين بيئة الأعمال بزيادة الاستثمارات الموجهة للبحوث والتطوير، والنهوض بالطرق والموانئ والبنية التحتية لشبكات الإنترنت عريضة النطاق. وبالطبع، كل هذا يتطلب موارد مالية، فالضرائب التي تبلغ حاليا 13 في المائة من إجمالي الناتج المحلي تقل عن المتوسط العالمي، الذي تزيد نسبته على 15 في المائة. وسيتعين تغيير هذا الوضع إذا كان للمنطقة أن تمول الاستثمارات اللازمة، وإطلاق نمو الإنتاجية، والاستعداد لمتطلبات شيخوخة السكان. غير أن تدبير مزيد من الأموال لن يكون كافيا، فسيتطلب الأمر سياسات ومؤسسات قوية، تضمن الحكمة في إنفاق الأموال الثمينة التي قدمها دافعو الضرائب. وبينما تعيد أنماط التجارة والتكنولوجيا تشكيل المشهد التنافسي، سيكون على جنوب شرقي آسيا أن تصبح أكثر اعتمادا على الطلب المحلي، وأقل اعتمادا على بيع السلع خارج المنطقة. ولتحقيق هذه الغاية، سيتعين زيادة التكامل في المنطقة. ولقد قامت بلدان "آسيان" بتخفيض ملحوظ في الحواجز الجمركية أمام التجارة في السلع المصنعة، وعليها تقليل تكلفة التجارة، وفتح أسواقها بالكامل أمام التجارة في الخدمات وحركة العمالة. وستحقق المنطقة خطوة كبيرة بإتمام اتفاق آسيان. المستهدف بشأن التجارة في الخدمات مع حلول عام 2025 ولتتمكن من إحراز تقدم أكبر في رفع مستويات المعيشة، لن يكون بمقدورها الاعتماد إلى الأبد على وظائف الخدمات ضعيفة الأجر والمهارات في الأكشاك والمطاعم؛ وسيكون عليها تدريب مزيد من العلماء والمبرمجين، فضلا عن المهنيين من قبيل مقدمي المساعدة الصحية المنزلية لرعاية المسنين. ومن شأن زيادة الاستثمار في مواردها البشرية، وفتح أسواقها أمام الخبرات والتكنولوجيات الخارجية أن يحققا تقدما أكبر نحو هذا الهدف. وبالطبع، علينا أن نتذكر دوماً أن هدف النمو السريع هو تحسين مستويات المعيشة للأكثرية وليس للأقلية. وحتى تتحقق الاستدامة للسياسات الاقتصادية وتحظى بتأييد مجتمعي واسع النطاق، يجب أن تكفل تحقيق النمو الاحتوائي. ومن هنا ينبغي للحكومات أن تقوي شبكات الأمان الاجتماعي، وتشجع المنافسة، وتقف في مواجهة المصالح الخاصة عميقة الجذور. وقد قطعت المنطقة أشواطا واسعة منذ تأسيس رابطة آسيان قبل أكثر من نصف قرن مضى، لكن هناك تحديات جسام لا تزال باقية. ولحسن الحظ، أن استخدام السياسات الصحيحة يمكن أن يتيح للبلدان مواجهة هذه التحديات اعتماداً على إبداع شعوبها وصلابتها وديناميكيتها. وقد كان صندوق النقد الدولي شريكا مهما في تنمية المنطقة، وهو على أهبة الاستعداد لمواصلة تقديم خدماته في المستقبل لأعضائه من بلدان جنوب شرقي آسيا. ولمواجهة هذه المخاطر، سيكون على بلدان جنوب شرقي آسيا تعزيز أنظمة المعاشات التقاعدية وشبكات الأمان الاجتماعي لرعاية الأعداد المتزايدة من المواطنين المسنين. ومن شأن إدخال مزيد من العمالة إلى سوق العمل، خاصة النساء، أن يساعد على الحفاظ على استمرار دوران محرك النمو. ولا تزال معدلات مشاركة النساء في سوق العمل منخفضة عبر بلدان جنوب شرقي آسيا، مع استثناءات ملحوظة مثل فيتنام. ويمكن تشجيع مزيد من النساء على الانضمام إلى القوى العاملة بتوفير خدمات رعاية الطفل، وإتاحة ترتيبات العمل المرنة.
مشاركة :