تزايد طلبات سكان العالم الذين يتنامى عددهم باستمرار، والاضطرابات المدنية، والهجمات الإرهابية، والأخطاء البشرية، والكوارث الطبيعية.. كل هذه المسائل تشكل تبعات إضافية لمستقبل مليء بالتمنيات فيما يتعلق بصناعة الطاقة. يعد أمن الطاقة قضية معقدة، تتطلب نهجا مختلفا إذا أرادت الدول والشركات أن تتجنب الوقوع بين مطرقة تزايد الطلب على الطاقة، وسندان تحقيق أهداف التغير المناخي. إن التحدي الذي تواجهه الحكومات وصناعة الطاقة ليس مجرد "استمرار الإنارة"، من خلال تأمين خطوط الإمداد من البلدان المنتجة للطاقة إلى الدول المستهلكة للطاقة، إنما يتطلب استراتيجية محكمة، تضمن تحقيق الأهداف المتعلقة بخفض انبعاث الكربون بتكلفة معتدلة. قد توفر مصادر الطاقة البديلة منفذا واحدا نحو مستقبل منخفض الكربون، لكن التكلفة المقترحة، في سوق الائتمان المحدود الحالي، قد تكون باهظة. وكان عديد من خبراء صناعة الطاقة، الذين حضروا مؤتمر مجموعة إنسياد للطاقة حول أمن الطاقة، الذي انعقد في لندن أخيرا، قد أوضحوا بجلاء أن الوقود الأحفوري سيبقى، في المدى القصير إلى المتوسط على الأقل، يلعب دورا كمصدر مهم من مجموع مصادر الطاقة. يوفر الوقود النووي طاقة خالية من الكربون، لكن عديدا من الدول الأوروبية بدأت، في أعقاب كارثة فوكوشيما، تبدي مخاوفها بشأن سلامة الأجندة الخضراء. غالبا ما تجد هذه العوامل مجتمعة مجموعة من التحديات المتناقضة أمام قطاع صناعة الطاقة في محاولاته لتأمين إمدادات الطاقة. ويقول مايكل ليبريتش، الرئيس التنفيذي لشركة بلومبيرج لتمويل الطاقة الجديدة، وعضو مجلس الأجندة العالمية للطاقة المستدامة للمنتدى الاقتصادي العالمي، إننا نشهد تحولا تاريخيا في إمدادات الطاقة من الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري إلى مزيج أكثر تنوعا من إمدادات الطاقة، وأن الطاقة البديلة قد أصبحت الآن هي الطاقة الرئيسة. لقد تم استثمار 260 مليار دولار في مجال الطاقة النظيفة في جميع أرجاء العالم خلال السنوات الست الماضية. ويعتقد مايكل ليبريتش، أن المشهد الاستثماري للطاقة النظيفة يتغير، وأن عام 2012 سيكون عام التحدي. لقد تفوقت أمريكا على الصين من حيث الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة، غير أن آليات الدعم والحوافز في الولايات المتحدة آخذة في النفاد، ويضيف: "السؤال بالنسبة للولايات المتحدة هو ما الذي سيحدث العام المقبل عندما ينتهي ائتمان الإنتاج". وفي المقابل، فإن الوضع في أجزاء من أوروبا صعب بالفعل. "تظل أسواق الديون في حالة توتر شديد، ولاسيما في جنوب أوروبا. فإذا كان بإمكانهم إقحام بنك الاستثمار الأوروبي، أو شيئا من التمويل السهل، فعندها يكون لديهم فرصة، وإلا فإن الوضع صعب جدا". ويرى ليبريتش أن مناخ الاستثمار في شمال أوروبا أكثر ملاءمة: "الرياح البحرية أقوى، خصوصا في ألمانيا. هناك بعض المشاريع الكبيرة تأتي عبر خط الأنابيب المقبل من المملكة المتحدة والدنمارك، حيث لا يزال التمويل يتدفق". ما تزال فرنسا تضع في اعتبارها الاعتماد الكبير على توليد الطاقة النووية، حيث إن 85 في المائة من طاقتها يتم توليدها من الطاقة النووية. "ستظل فرنسا دولة نووية، لكنها ستصبح أكثر تكلفة مما هو متوقع، وما هو أكثر من ذلك، هو أن الـ85 في المائة ربما كانت العدد الخاطئ لأي دولة، بسبب سلبيات الطاقة النووية، إذ لا يمكنك فصلها عندما ينخفض الطلب، وهذا يعني أن ينتهي بك الأمر إلى التخلص منها بإرسالها إلى جيرانك بثمن بخس. ستحتفظ فرنسا بأسطولها النووي، لكنني أعتقد أنه شيء لا تستطيع أي دولة أن تحذو حذوه". يؤكد جراهام فانت هوف، رئيس مجلس الإدارة لشركة شل في المملكة المتحدة، أن النظام القائم في المملكة المتحدة نظام قوي بما يكفي للتعامل مع انقطاع التيار الكهربائي وانقطاع الإمداد، ويستشهد بسجل الشتاء البارد أخيرا وانقطاع التيار الكهربائي في بحر الشمال: "لدينا فعلا نظام قوي، لكن من المنطقي بالنسبة للحكومة أن تراقب على المدى الطويل لتتأكد أنه لا يزال نظاما قويا". يقول هوف: "تتمثل وجهة نظر شركة شل في أن العالم سيحتاج إلى زيادة في الطاقة بنسبة 50 في المائة في عام 2050، وعليه أن يجدها، على أن تكون نسبة انبعاث الكربون أقل مما هي عليه الآن بنسبة 50 في المائة". أما فيما يتعلق بالإمدادات، فإننا سنكون في حاجة إلى جميع أنواع المصادر، بما فيها إمدادات جديدة من القطب الشمالي، فضلا عن الغاز والنفط الخفيف غير التقليديين. ستكون الكهرباء مفيدة في المدن، لكنها لن تجدي نفعا بالنسبة للمركبات الثقيلة أو الطائرات. ويقول جراهام فانت هوف، ولذلك فإننا سنظل في حاجة إلى الحلول التي يوفرها الوقود الإحفوري. تعمل شركة شل على تطوير الجيل الأول من الوقود الحيوي، والاستثمار بكثافة في الجيل الثاني من الوقود الحيوي، أي تحويل النفايات إلى طاقة. وفقا لسام ليدلو، الرئيس التنفيذي لشركة سنتريكا، والمورد الرئيس للطاقة المنزلية في المملكة المتحدة، فإن أمن الطاقة مسألة ساخنة في العالم، مع أن الدول تتعامل معها بأشكال مختلفة، اعتمادا على ما إذا كانت هذه الدول دولا موردة أو مستوردة: "لقد كانت قضية مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، لكن مجيء الإمدادات المنزلية من الغاز الصخري جعلها أقل أهمية، أما في المملكة المتحدة، فإن أمن الطاقة سيكون مسألة ذات أهمية متزايدة، حيث إن إنتاج الغاز آخذ في الانخفاض بسرعة هائلة".
مشاركة :