من الخطأ تصنيف الفيلم ضمن الأفلام الحربية فلا معارك ولا مواجهات بين أطراف الصراع. عمّان ـ قد يوحي عنوان فيلم "أنشودة الجندي" الذي تختم به لجنة السينما في مؤسسة عبدالحميد شومان عروضها لهذا العام بأنه فيلم حربي، ولكن من الخطأ تصنيف هذا الفيلم ضمن الأفلام الحربية فلا معارك ولا مواجهات بين أطراف الصراع، فهو في الحقيقة عن العواطف الإنسانية المتأثرة بالحرب وهي الحرب العالمية الثانية وعلى الجبهة الروسية تحديداً. عنوان الفيلم يشير بدقة إلى القصيدة الشعرية البسيطة ذات الأصل الشعبي أو أنها أغنية بسيطة رقيقة من قطعتين أو أكثر بلحن واحد لا يتغير وتمتاز القصيدة أو الأغنية برومانستيها، لذا يشعر الإنسان عند مشاهدة هذا الفيلم أنه أمام أغنية تؤثر بمشاعره أعمق التأثير بسبب سلاسة وبساطة العمل وموضوعه الإنساني. يحكي الفيلم قصة اليوشا، الجندي الروسي والذي يبلغ من العمر تسعة عشر عاما وقد قتل في تلك الحرب مثل الملايين غيره. يبدأ الفيلم – بامرأة ترتدي السواد تقف في بداية طريق ممتد أمامها! ومن صوت من خارج الكادر نعرف أنها أم الجندي اليوشا وقد ودعته على هذا الطريق عند ذهابه للحرب وما زالت تعتقد أنه لم يقتل وبالتالي تخرج كل يوم صباحا لنفس الطريق منتظرة عودته. ثم ينتقل المخرج إلى الجبهة، حيث نشاهد اليوشا الفتى الوسيم للمرة الأولى في خندق في مكان ما في الجبهة مع رفيق آخر له، وندرك أنه جندي لاسلكي فقط. تهاجم هذا الخندق دبابتان من الجيش النازي الألماني فينسحب رفيقه ويبقى اليوشا. وبتصوير سينمائي جميل نحس مدى اضطراب اليوشا وحيرته في مواجهة هذا الموقف الذي يجد فيه نفسه ملاحقا من قبل دبابة ألمانية، لكنه بلحظة لا توحي بأي قدر من بطولة خارقة يطلق قذيفة مضادة للصواريخ من مدفع تركه جندي في خندق آخر، فيدمر الدبابة الأولى ثم الثانية. مشوار العودة يستغرق من اليوشا كل زمن الإجازة فلا يبقى بعدها له أي وقت للقاء أمه التي هرعت لاستقباله ولا لإصلاح سقف المنزل بعد ذلك نرى اليوشا واقفا في مركز قيادة الموقع حيث يحتفي رفاقه ببطولته ويقرر القائد أن ينعم عليه بوسام لشجاعته وبطولته، إلا أن اليوشا يطلب بدلا من الوسام إجازة لمدة يومين للعودة إلى قريته لوداع أمه التي لم يودعها كما يجب ولإصلاح سقف المنزل تحسبا للأمطار ولكن القائد، إعجابا ببساطة اليوشا وحسه الإنساني المباشر، يعطيه أسبوعا. إن مطلب اليوشا العودة لأمه وإصلاح سقف المنزل بديلاً عن وسام البطولة يشكل مقارنة ذكية وعميقة، فالوطن هو المنزل والأم في واقع الأمر، فإن فيلم "أنشودة الجندي" هو عن رحلة عودة اليوشا إلى أمه، وهي رحلة ستتخللها الكثير من العوائق والمشاكل، وفي طريق عودته يلتقي اليوشا الممتلئ بالنبل والبساطة والحس الإنساني نماذج مختلفة من الناس تأثرت نفسياتها بظروف الحرب في وطن انقلبت فيه الحياة تماماً، لكنه – اليوشا – يبقى ذاك القروي البسيط في ثياب جندي! فعندما يحاول اليوشا أن يركب قطاراً عسكريا عائدا من الجبهة يمنعه الجندي الذي يحرس القطار ولكنه يوافق بعد ذلك برشوته. وفي القطار يلتقي بصبية رقيقة وجميلة تتطور العلاقة العاطفية بينهما وبينه على الرغم من النفور والتصادم في البداية، وعندما يكتشف حارس القطار وجود هذه الفتاة يقبل وجودها لكن برشوة أخرى. إلا أن الملازم المسؤول عندما يعرف بوجود اليوشا والفتاة ويدرك سبب وجودهما يعنّف جندي الحراسة ويسمح لهما بالركوب. خلال مشواره عائداً لقريته لا يتخلى اليوشا عن بساطته وطيبته على الرغم مما يلاقيه سواء من أشخاص يتصرفون بسوء وسط هذه الظروف الصعبة – مع إننا نجد في داخلهم الحس الإنساني كافيا ويتبدى عند استثارته – أو بسبب أحوال البلد الذي يواجه تدميراً نازيا مخيفاً. يستغرق مشوار العودة من اليوشا كل زمن الإجازة فلا يبقى بعدها له أي وقت للقاء أمه التي هرعت لاستقباله ولا لإصلاح سقف المنزل، وتكون مغادرته هذه المرة هي الأخيرة، الأمر الذي لا تود الأم أن تقبله فتخرج كل يوم لنفس الطريق منتظرة ابنها! ينتمي هذا الفيلم / الأغنية - البسيطة الرقيقة بصدق إلى أفضل تقاليد المدرسة الواقعية الاشتراكية بوجهها الإنساني. فاز الفيلم بعدة جوائز أهمها: جائزة لجنة التحكيم الخاصة – كان – سنة 1960. جائزة مهرجان سان فرانسيسكو كأفضل فيلم وأفضل إخراج سنة 1960.
مشاركة :