تحت عنوان: «على ثرى الشام مشى أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم» كانت خطبة فضيلة الشيخ أحمد مهنا السيسي خطيب جامع أبوحامد الغزالي لصلاة الجمعة أمس.. حيث قال فضيلته: بلاد الشام موطئُ أقدام الأنبياء والمرسلين والعلماء والصالحين، فقد سكنت نفوسَهم وتربعّت على أفئدتهم، وهي من البقاع ذات القداسة والمكانة العالية بعد المدينة المنورة مُقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسكنه، ومكة المكرمة مهد رسول الله ومهوى أفئدةِ المسلمين. وهي موطن البركة ومحل الخير قال تعالى: «وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلا جَعَلْنَا صَالِحِينَ» ومعلوم أن سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام إنما نجاه الله ولوطاً إلى أرض الشام. وقال ابن رجب الحنبلي: واعلم أن البركة في الشام تشمل البركة في أمور الدين والدنيا، ولهذا سميت الأرض المقدسة. وقال تعالى: «(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ» وهي أرض الشام التي فيها ملك سليمان. وعن أبي أُمَامَةَ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ قَال: «دَعْوَةُ أَبِى إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهَا قُصُورُ الشَّامِ». قال ابن كثير: (وتخصيص الشام بظهور نوره صلى الله عليه وسلم إشارة إلى استقرار دينه، ونبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم). وبالشام الطائفة القائمة بأمر الله الظاهرة على الحق إلى قيام الساعة، فنصوص فضائلها كثيرة عظيمة. عن أبي الدّرْدَاءِ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «فُسْطَاط المُسْلِمِينَ يَوْمَ المَلْحَمَةِ بالْغُوطَةِ إلَى جَانِبِ مَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشّامِ». لقد مشى على ثرى الشام أكرم الخلق سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ذلك حينما سافر في تجارة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وقصته مع ميسرة -غلام خديجة- معروفة حينما رأى الغمامة تُظلله صلى الله عليه وسلم، وحينما نزل في سوق بصرى في ظل شجرة قريبة من صومعة راهب يقال له نسطورا: فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي. وكذا في رحلة الإسراء والمعراج، ومشى على ثراها أيضا سيدنا إبراهيم وموسى وعيسى وغيرُهم من الأنبياء على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه ودخلتها طلائع صحابة رسول الله رضي الله عنهم فاتحة مظفرة منصورة، مئةٌ منهم من أهل بدر، ذكر صاحبُ تاريخ دمشق ابن عساكر عن الوليد بن مسلم قال: «دَخَلتِ الشامَ عَشَرةُ آلافِ عينٍ رأت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم». لقد صُبَّت على الشام الحملات الصليبية وتكسرت على يد بواسلها في حطين بقيادة صلاح الدين، وغزاها المغول والتتار واندحروا وهزموا وأوقف زحفُهم على يد حموا الدين وحفظوا أهلهم بقيادة سيف الدين قطز في عين جالوت. ولقد تعرضت مدينة دمشق لعدوان عام 1925 للميلاد، خلف خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، فقد ضاقت فرنسا ذرعاً بدعم أهالي دمشق لإخوانهم بالغوطة، فقصفت دمشق عقاباً لأهلها وانتقاماً منهم، فالتهمت النيران محلاتهم ومصادر رزقهم وبيوتهم ومعالم تاريخية عريقة مهمة، لم يسلم منها إلا اليسير، ولم يبق من أثرها سوى الأطلال والخراب.. لذلك أطلق على هذه الحادثة (نكبة دمشق) ومما قال فيها أمير الشعراء: سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ ألستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ ولقد تحدثنا من قبل عن بغداد في عصر الرشيد، ذلك تنويها لأهميتها وكيف كانت عظيمة فريدة في حضارتها قوية لتلقين عدوها، فحينما نقض الروم الهدنة التي كانت بين المسلمين وملكة الروم -السابقة- سار إليهم بجيش عظيم وانتصر عليهم انتصارًا مؤزراً بالفتح. فحري بالعرب والمسلمين أن يحافظوا عليها وعلى شقيقتها دمشق، كيف وهما حصن العروبة والإسلام الحصين ولا يتجاهل هذه الأهمية عامدا إلا من لا يريد خيرا لهذه الأمة، وذلك فوق أي اعتبار أو تصفيات، مستحضرين موقف المعتمد بن عباد لمّا رأى ما حلّ بالمدن من حوله بالأندلس، رأى أن يستنجد بيوسف بن تاشفين من المغرب، فقيل له: لكنه إن أنجدك أخذ ملكك.. فقال -ما معناه-: لأن أرعى الإبل عند ابن تاشفين خير لي من أن أرعى الخنازير عند الفونسو. لذا لا بد لحصول المنعة من رؤيا تقدم المصالح العليا حتى لا تكون الأمة مرمى لكل طامع ومخرب وحاقد. «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا».
مشاركة :