في خطبته لصلاة الجمعة أمس تحدث فضيلة الشيخ أحمد مهنا السيسي خطيب جامع أبوحامد الغزالي بقلالي عن أهمية وجدوى الخشوع في الصلاة، وذلك تحت عنوان «من أهم أسباب الفلاح.. الخشوع في الصلاة». وفيما يلي أهم ما قاله فضيلة الشيخ أحمد مهنا السيسي في خطبة الجمعة: لقد أثنى الله عز وجل على المخبتين لعظمته الخاضعين هيبة لجلاله، الخاشعين في عبادتهم له، المسارعين للخيرات. فقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). ووصف المؤمنين بالفلاح لأسباب عظيمة منها: خشوعهم في صلاتهم فقال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، فصلاةٌ بلا خشوعٍ كبدنٍ بلا روح. فاجمع همتَك أيها المسلم، وأقبل على ربك بلينِ القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره، فإن خشوع القلب يقودُ إلى خضوع الجوارحِ والأعضاء، فهي له تبع، ومن دعاء رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رُكُوعِهِ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ أَنْتَ رَبِّي، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي»، وقال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ». فإن أردت أيها المسلم أن تكون في زمرة الفالحين ففرِّغ قلبَك للصلاة واشتغل بأذكارها وأفعالها، ولا تكن من الغافلين، فقد أعد الله تعالى للخاشعين وللخاشعات (مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) وقال تعالى: (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أصحاب الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ويُروَى عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إذا حضر وقتُ الصلاة يتزلزل ويتلوّن وجهه، فقيل له: مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: جاء وقت أمانةٍ عرضها اللهُ على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها. ويُروى عن مسلم بن يسار أنه كان يصلي يومًا في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد، فاجتمع الناس لذلك فلم يشعر بها حتى انصرف من الصلاة. وكان بعض السلف في صلاتهم يسجد حتى تقع العصافير على ظهره، وقيل لخلف بن أيوب: ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها؟ قال: لا أعوّد نفسي شيئًا يفسد عليَّ صلاتي، قيل له: وكيف تصبر على ذلك؟ قال: بلغني أن الفساق يصبرون تحت أسواط السلطان ليقال فلان صبور ويفتخرون بذلك، فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة؟! وكان بعضهم كأَنه أسطوانة لا يلتفتُ يمينًا ولا شِمالاً. والالتفاتُ -أيها المسلمون- سرقةٌ يسترقها الشيطان من صلاة العبد فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الالْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ.؟ فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ». إن من مذهبات الخشوع في الصلاة العجلة وعدم الطمأنينةِ فيها، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَقْبَحَ السَّرِقَةِ، الَّذِي يَسْرِقُ صَلاتَهُ»، قَالُوا: كَيْفَ يَسْرِقُ أَحَدُنَا صَلاتَهُ؟ قَالَ: «لا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلا سُجُودَهَا وَلا خُشُوعَهَا»، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَنْظُرُ اللهُ إلى صَلاةِ رَجُلٍ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ». أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الخاشعين المخبتين في صلاتنا إنه جواد كريم. اتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من أسباب الفلاح الخشوع في الصلاة، وإن مما يعين على الخشوع في الصلاة: الحرص على أداء الصلاةِ في جماعةٍ، والسعيُ إليها مبكرا وأن يستحضرَ العبدُ عند إحرامه بالصلاةِ أنه سيقفُ بين يدي أحكم الحاكمين ربِه وخالقه الذي يعلم ما توسوسُ به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد، مستحضرًا معنى ما يقول في صلاته من قرآن ودعاء وذكر، وأن ينصت لقراءة الإمام متأملا ما تحتويه الآيات من معان، مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم حين توارد خواطر السوء، ناظرا إلى موضع سجوده، وأن يجاهد أيَّ شاغل يشغله عن صلاته، بعيدا كل البعد عما يُفتعل من سلوكٍ يُذهب الخشوع ويشوش على الإمام وإخوانه المصلين، ومما يُهيأ النفس للخشوع الحرصُ على أداء السنن والنوافل، مستعينا على ذلك بالدعاء الخالص طلبًا للتوفيق، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
مشاركة :