في خطبته ليوم الجمعة بجامع أبوحامد الغزالي أمس.. تحدث عن الشائعات كأشد آلية لهدم وتفتيت وتفريق الشعوب، وذلك تحت عنوان «الحذر من نشر الشائعات التي تهدف إلى إحباط الناس»، بوصفها أسرع الطرق لإيقاع المجتمعات الآمنة في جحيم التناحر والاقتتال، فقال ما نصه: الحذر من نشر الشائعات التي تهدف إلى إحباط الناس.. إن بث الدسائس من وسائل الفجار وطرق الأشرار، وغايتُهم إيقاع المجتمعات الآمنة في جحيم التناحر والاقتتال، فهذا ديدنهم ودأبهم.. وكلما ازداد المؤمنون قوة ومنعة ازدادوا حسدا وحيرة وحقدا، فإن أشد شيء على نفوسهم أن يعمَّ الخير على المسلمين، قال تعالى: «إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيئَةٌ يفْرَحُواْ بِهَا». لقد غاظ العدو الماكر الألفة بين قبيلتي الأوس والخزرج في ظل الإسلام، فدفع بمن يذكرهم بيوم بعاث وما تقاولوا من الأشعار، وما نشب بينهم من حروب في الجاهلية، فعادت تلك النعرة البغيضة إليهم ثانية، من دون وعي منهم، فكادوا يقتتلوا، فبلغ رسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: (يا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اللَّهَ اللَّهَ، أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيةِ وَأَنَا بَينَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ إِذْ هَدَاكُمُ اللَّهُ إلى الإسلام)، فعاد إلى القوم وعيهم وثابوا إلى رشدِهم فدحروا الشيطان وأعوانه، فباء كيدُه الضعيف بالخسران المبين، قال تعالى: «كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا وَاللَّهُ لا يحِبُّ الْمُفْسِدِينَ». لقد ابتلي المسلمون على مر العصور بأعداء دأبُهم الإرجافُ وبث الهزيمةِ والفرقة لإضعاف المسلمين، قال تعالى: «قَدْ يعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَينَا وَلا يأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلاً». لقد سجل كتاب الله مثل هذه الوقائع ليلفت نظرنا إلى أن الدسائس من وسائل شياطين الأنس والجن ومكائدهم وشراكهم وفخاخهم، ينصبونها لضحاياهم، لذلك عنى الإسلام بغرسِ وتعزيز معاني المحبة والمودة بين المجتمع وجعلها من علامات الإيمان وتمامه، فنهى عن كل ما يورث العداوة والفرقة صونا للحقوق وسدًّا لولوج الشيطان بين الإخوة في المجتمع الواحد، قال تعالى: «وَقُل لِّعِبَادِي يقُولُواْ الَّتِي هِي أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيطَانَ ينزَغُ بَينَهُمْ إِنَّ الشَّيطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوَّا مُّبِينًا». ومازالت أمتنا ومجتمعاتنا تتعرض لدسائس المتآمرين.. للوقيعة بين الناس أو للوقيعة بين الشعوب وولاة أمرهم، فإن مثل هؤلاء ينتشرون أثناء الكوارث والفتن، فإذا هدأت الفتن فقد ركد مصدر ما يتعيشون به من سحت. أهمُ خصائِصِهم: الكذب والتلفيق والتدليس لإشعال الفتن، فقد ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا مطايا لأعداء قومهم وأوطانهم بل ودينهم، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده كما أخبر صلى الله عليه وسلم. هل مِن أخلاقِ المسلمين بثُ الدسائس والوشاية بين الشعوب أم هي صفات من؟! هل مِن صفاتِ المسلمِ التجسس وإفسادُ ذاتِ البين؟! التي هي تَحلِق الدِّين كما حذر نبينا صلى الله عليه وسلم. ألا فليربأ كلُّ عاقل بنفسه أن يسوقه هؤلاء الحاقدون سوقًا، وليحَكِم عقلَه الذي وهبه اللهُ وفقَ تعاليمِ دينِه وأخلاقِ نبيه صلى الله عليه وسلم. فعجبًا ممن يشيعون الشائعات وينسجون الوشايات والمكائد بين الدول والشعوب العربية، التي تصدت لطوفان الفتنة وثبتت ثبوت الليوث، رغم كل المصائب التي حلت بأرض العروبة مهد الإسلام، ظنا منهم هدم الألفة بينها. ورغم ذلك مازالت أدوات «الفوضى الخلاقة» وأهل الشر يعملون ويترصدون ويتربصون، فالعاقل لا يرتضي لنفسه أن يكون عونا على إثارة البلبلة وزرع الفتنة والتحريض على الكراهية بين قومه أو في مجتمعه، فينبغي أن نحصن مجتمعاتنا للوقاية من مثل هذه الشرور التي تستهدفنا جميعا، وهذه الشرور -لا يخفى عليكم- قد أودت بشعوب وأودت بدول. الحذر من إعادة نشر ما يروج من خلال وسائل التواصل التي تبث الشائعات لإحباط الناس فيفقدوا الأمل، ثم تعمى بصائرهم عما هم فيه من نعم، فيخربون ديارهم بأيديهم، ويدمرونها من تلقاء ذاتهم، ذلك لكي لا يستشري خطرها ويعم ضررها، قال تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يصْنَعُونَ». فمن وفق لحفظ بلده عما حلَّ بغيرها فهو على خير عظيم.. قبل أن يأتي على قومهم لهيبها، فينقلب مشعلُها خائبًا خاسرًا حسيرا. قال تعالى: «مَن كَانَ يرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيهِ يصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يمْكُرُونَ السَّيئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يبُورُ».
مشاركة :