خسارة مربحة «2-2» | مرعي مبارك بن محفوظ

  • 2/10/2015
  • 00:00
  • 27
  • 0
  • 0
news-picture

... وإذا كنت من الذين يفعلون الخير فاجعله أبدًا طريقَكَ، واجَعْلَه زادَك في الدنيا لتنجو به في الآخرة، فالخير بمثابة السّفينة التي تصل بك إلى برّ الأمان، وتذكر أنّك إذا أُغمِضَتْ عيناك، وُقبضتْ روحُك فليس لك في مالك شيء، فالذين يرثونه من بعدك يرثون مالاً كثيرًا، ولكنهم لا يدرون كيف جمعته. يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أيّكُمْ مَالُ وَارثهِ أَحَبُ إَلْيهِ مِنْ مَاِلهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، ما مِنَّا أحَدٌ إلاّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قال: فَإنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِه ما أَخّرَ) رواه البخاري. فارحم نفسك، وارحم مَن تتعامل معهم، وارحم مَن حولك، وأنفق المال في سبيل الله يعوّضك الله عنه خيرًا منه، وبأكثر ممّا أنفقت؛ قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أمْوَالهمْ فِي سَبيل اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنبتتْ سبعَ سنابلَ في كلِّ سنبلةٍ مائةُ حبَّةٍ واللهُ يضاعفُ لمَن يشاءُ واللهُ واسعٌ عَلِيمٌ) سورة البقرة:261. وتأكد بأن الله -تبارك وتعالى- سيبارك لك، ولمن يرث مالك من بعدك، ذلك المال الذي طهر بالزكاة، ونما بالصدقات. وما أصدق قول شاعرنا: من حبة القمح اتخذ مثل الندى يا من قبضت عن الندى يمناك هي حبة أعطتــك سبع سنابـل لتجـود أنـت بحبـة لســواك وكأنما الخط الذي في وسطها لك قائل: نصفي يخص أخــاك فيا أخي، تدبّر الأمر قبل فوات الأوان، وأعلم أنَّ من تواضَعَ لله رفعه. يقول النبي -صلّى الله عليه وسلم- (مَا من يومٍ يُصبحُ العبادُ فيه إلاَّ فيه ملكان ينزلان؛ فيقولُ أحدهُما: اللهمّ أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهمّ أعطِ ممسكًا تلفًا) متفق عليه. واعلم أن من بين الذين يُظلّهم الله -عز وجل- في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه: (رجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) متفق عليه، وتجبر سيرة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- الذي زكّاه ربه فقال -سبحانه وتعالى- (وإنّك لعلَى خلقٍ عظيمٍ) سورة القلم (4)، وقد أمره تعالى بقوله: (واصبرْ نفْسَكَ معَ الذِينَ يدْعُونَ ربَّهُم بالغَدَاةِ والعَشِيِّ يُريدُونَ وجْهَه ولا تَعْدُ عينَاكَ عَنهُم تُريدُ زِينَةَ الحَياةِ الدُّنيَا ولاَ تُطِعْ مَن أغفَلْنَا قَلبَهُ عن ذِكرِنَا واتَّبَعَ هَواهُ وكَانَ أمرُهُ فُرُطًا) سورة الكهف: 28. ونحن نسمع هذه الحكمة التي تنطبق على كثير منا، وهي قول الشافعي -رحمه الله-: نعيـبُ زماننَا والعيـبُ فينَـا ومَا لزمانِنَا عيبٌ سوانَا نرى الكثيرين يختلفون على أشياء قد تكون تافهة لا قيمة لها، وتدخل الشحناء فيما بينهم، ولو دقّقت النظر تراهم أحيانًا من ذوي الأموال، ولكنّهم قد جعلوا الأموال هدفًا، ووصلوا إلى مرحلة تقديسها. نَسُوا الصداقة والأخوّة الإسلامية، كلّنا.. مهما كنّا أغنياء.. بعضنا بحاجة إلى بعض. ليس هناك منّا المكتفي لا ذاتيًّا عن خدمات مخلوقات الله، والأخوة، والمحبّة في الله لا تُباع ولا تُشترى، ولها فضلها، وأحيانًا يكون الإنسان بحاجة إلى أخ وفيٍّ صادق يسمو به حالُه، ويدله على الله -تبارك وتعالى- مقالُه. ولنعلم أنّ خسائرنا الحقيقية: هي مقدار ما نفقد من أيام لا نُرضي ربَّنا فيها.

مشاركة :