الضمير والحياة(2 - 2) | مرعي مبارك بن محفوظ

  • 9/16/2014
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

الضمير لكل منا هو شريك للروح، وعلينا أن نسعى جاهدين بأفعالنا وإخلاصنا، أن نبعد عن كل أرق قد يصحبه سهر ونصب.. لماذا؟ لأننا قد أمتنا ضميرنا، فمن مات ضميره زاد أرقه، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا) وقال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى) متفق عليه. وعلى كل مؤمن تقي أن يزكي ضميره ووجدانه، وألاّ يقول إلاّ حقًّا، فلنحذر ممّا بين الفكين، ولا نَقُل إلاّ صدقًا، ولنبعد عن المزايدات، ولنحذر أنفسنا من المطامع والهفوات، ولنبرأ بأنفسنا عن مواطن الزّلل ودروب الغلط وغمط الحقِّ، فوخز الضمير لنا صحوة تجدد جميع الخلايا، وإذا أمتنا الضمير فسوف يكثر فينا الجدل، وعلينا أن نتجنب موتة الضمير، وكل منا يعرف أن مَن مات ضميره فإنه قد كثر عصيانه، ومن اتصف بالإهمال والتفريط ولم يُلقِ للأخطاء بالاً؛ فهو الذي يجعل الأخطاء تخيم على أفكاره، فإذا استمرأ موتة الضمير فسيأتي اليوم الذي يجد نفسه كالكوز مجخيًّا لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، وسوف يتبلد لديه كل إحساس، وسيفقد خصوصية الشمّ، ولن يبالي بارتكاب الأخطاء، وسيُصنَّف مع الحمقى، وقد يدمن تكرار الأذى، فمن مات ضميره، عُدم وجدانه، وفقد أحاسيسه. وإذا أردنا أن نعرف من مات ضميره، فهو من يتهوَّر في حب ملذاته، ويستمرئ حقوق الآخرين إذا تمكن من ذلك؛ لأنَّ ضميره قد جفَّ وتمادى في ظنون السوء والشكوك العمياء، فأصبح مسؤولاً عن تبديل الحَسَن سيئًا؛ لأنه أحب الهوى وابتعد عن الحقِّ. قال نصيح بن منظور الفقعسي: إِذا ما خَلَوتَ الدَهرَ يَومًا فَلا تَقُل خَلَوتُ وَلَكِن قُل عَلَيَّ رَقيبُ وَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يُغفِلُ ما مَضى وَلا أَنَّ ما يَخفى عَلَيهِ يَغيبُ والمشكلة الكبرى فيمن أمات ضميره، وقد وُفِّق لمنصب أو جاه يجعله صاحب كلمة مسموعة فيعكس الأمور؛ بأن يجعل الصحيح خطأً، والخطأ صحيحًا، فسيجني آثامه طال به زمنه أو قصر، فليته يصحو وينظر إلى أمم الغابرين؛ لأنهم قد سبقوه في هذه المهنة.. فهل من ضمير؟ وكما قال تعالى: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) سورة آل عمران 175. ونقول لهؤلاء: إنَّ تطابق القول والفعل والعمل من أسمى حالات إحياء الضمائر، فأيّ منا إذا صدق قوله وخاف ممن ائتمنه على مصالح الأمة؛ فهو من أصحاب الضمائر، أمّا إذا تربع وانتفخ، وتجاهل مَن عيَّنه، وخدع في قوله لمن ائتمنه؛ فنقول له: لقد متَّ ومات ضميرك فانتظر ثمرة خداعك، فسوف تجنيها علقمًا تجرع كأسه.. فاتقوا الله -عز وجل- يا أصحاب الضمائر، إذا اؤتمنتم على مصالح غيركم. هذا ما أثارني لأسأل: أين الضمير؟ وأين أهله؟! قد شدَّ استماعي يومًا خطيب واقفٌ على المنبر في إحدى الدول يناشد أهل الضمائر فيقول: «إن أهل الضمائر من عرفوا الحق فأدُّوه، وإن أصحاب الضمائر لا يبطنون عكس ما يظهرون، وإنهم من الذين يصدقون قولاً وفعلاً».. وكان نصحه لمن مات ضميره: أن عليه بتلاوة القرآن وتدبُّر معانيه لعل ضميره أن يصحو ويصدق مع مجتمعه ورئيسه، فإن لم تُصهر القلوب بذكر الله تعالى فسوف تلحق بها موتة الضمير. اللهم نقِّ ضميرنا من كل مسلك خاطئ، أو أهواء فاسدة، وأسألك يا الله أن تطهر ضمائرنا وتثبتها على الحق، وأن تزرع في قلوبنا مخافتك، وأن تعمر ضمائرنا بخشيتك. ولنعلم أن الحكمة تقول: كن ذا أحاسيس بضمير تَسْمو ... فإن الرَّذائل تلازم من لا ضمير له

مشاركة :